الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ} (2)

" وما أدراك ما ليلة القدر " قال : ليلة الحكم . والمعنى ليلة التقدير ، سميت بذلك لأن اللّه تعالى يقدر{[16232]} فيها ما يشاء من أمره ، إلى مثلها من السنة القابلة ، من أمر الموت والأجل والرزق وغيره . ويسلمه إلى مدبرات الأمور ، وهم أربعة من الملائكة : إسرافيل ، وميكائيل ، وعزرائيل ، وجبريل ، عليهم السلام . وعن ابن عباس قال : يكتب من أم الكتاب ما يكون في السنة من رزق ومطر وحياة وموت ، حتى الحاج . قال عكرمة : يكتب حاج بيت اللّه تعالى في ليلة القدر بأسمائهم وأسماء أبائهم ، ما يغادر منهم أحد ، ولا يزاد فيهم ، وقاله سعيد بن جبير . وقد مضى في أول سورة " الدخان " {[16233]} هذا المعنى . وعن ابن عباس أيضا : أن اللّه تعالى يقضي الأقضية في ليلة نصف شعبان ، ويسلمها إلى أربابها في ليلة القدر . وقيل : إنما سميت بذلك لعظمها وقدرها وشرفها ، من قولهم : لفلان قدر ، أي شرف ومنزلة ، قاله الزهري وغيره . وقيل : سميت بذلك لأن للطاعات فيها قدرا عظيما ، وثوابا جزيلا . وقال أبو بكر الوراق : سميت بذلك لأن من لم يكن له قدر ولا خطر يصير في هذه الليلة ذا قدر إذا أحياها . وقيل : سميت بذلك لأنه أنزل فيها كتابا ذا قدر ، على رسول ذي قدر ، على أمة ذات قدر . وقيل : لأنه ينزل فيها ملائكة ذوي قدر وخطر . وقيل : لأن اللّه تعالى ينزل فيها الخير والبركة والمغفرة . وقال سهل : سميت بذلك لأن اللّه تعالى قدر فيها الرحمة على المؤمنين . وقال : الخليل : لأن الأرض تضيق فيها بالملائكة ، كقوله تعالى : " ومن قدر عليه رزقه " {[16234]} [ الطلاق : 7 ] أي ضيق .

قال الفراء : كل ما في القرآن من قوله تعالى : " وما أدراك " فقد أدراه . وما كان من قوله : " وما يدريك " [ الأحزاب : 63 ] فلم يدره . وقاله سفيان ، وقد تقدم{[16235]} .


[16232]:يريد أنه يظهر ما قضاه في الأزل من الأمور، لا أنه يقدر ابتداء.
[16233]:راجع جـ 16 ص 125.
[16234]:آية سورة الطلاق.
[16235]:راجع جـ 18 ص 257 وجـ 19 ص 247 وص 3 من هذا الجزء.