اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ} (2)

قوله : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القدرَ ليْلَةُ القدر خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } بين فضلها ، وعظمها ، وفضيلة الزمان إنما تكون بكثرة ما يقع فيه من الفضائل ، وفي تلك الليلة يقسم الخير الكثير الذي لا يوجد مثله في ألف شهر ، جميع الدهر ، لأن العرب تذكر الألف ، لا تريد حقيقتها ، وإنما تريد المبالغة في الكثرة ، كقوله تعالى : { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ } [ البقرة : 96 ] ، يعني جمع الدهر .

[ وقيل : إن العابد فيما مضى لا يسمى عابداً ، حتى يعبد الله ألف شهر ، فجعل الله تعالى لهذه الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم عبادة ليلة خير من ألف شهر كانوا يعبدونها ]{[60579]} .

وقال أبو بكر الوراق : كان ملك سليمان - عليه الصلاة والسلام - خمسمائة شهر ، وملك ذي القرنين خمسمائة شهر ، فصار ملكهما ألف شهر ، فجعل الله العمل في هذه الليلة لمن أدركها خيراً من ملكهما .

وقال ابن مسعود - رضي الله عنه - : إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجُلاً من بني إسرائيل حمل السلاح ألف شهرٍ ، فعجب المسلمون من ذلك فنزلت هذه الآية ، يعني خير من ألف شهر التي لبس السلاح فيها في سبيل الله ، ونحوه عن ابن عبَّاس رضي الله عنه{[60580]} .

وقال مالك بن أنس - رضي الله عنه - : أري رسول الله صلى الله عليه وسلم أعمار الناس ، فاستقصر أعمار أمته ، فخاف ألا يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر ، فأعطاه الله ليلة القدر ، وجعلها خيراً من ألف شهر لسائر الأمم{[60581]} .

وقال عكرمة وعروة : ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أربعة من بني إسرائيل ، يقال : عبدوا الله ثمانين سنة ، لم يعصوا الله - تعالى - طرفة عين : أيوب ، وزكريا ، وحزقيل بن العجوز ، ويوشع بن نون ، فعجب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ، فأتاه جبريل - عليه السلام - فقال : يا محمد ، عجبت أمتك من عبادة هؤلاء النَّفر ثمانين سنة ، لم يعصوا الله تعالى طرفة عين ، فقد أنزل الله عليك خيراً من ذلك ، ثم قرأ : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر } ، فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم{[60582]} .

/خ5


[60579]:سقط من: ب.
[60580]:ينظر تفسير القرطبي (20/89) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/629)، عن مجاهد وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي.
[60581]:ينظر التفسير الكبير للفخر الرازي (32/30).
[60582]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/629)، وعزاه إلى ابن أبي حاتم عن علي بن عروة.