والعصف : الجاف من ورق الشجر . ووصفه بأنه مأكول : أي فتيت طحين ! حين تأكله الحشرات وتمزقه ، أو حين يأكله الحيوان فيمضغه ويطحنه ! وهي صورة حسية للتمزيق البدني بفعل هذه الأحجار التي رمتهم بها جماعات الطير . ولا ضرورة لتأويلها بأنها تصوير لحال هلاكهم بمرض الجدري أو الحصبة .
فأما دلالة هذا الحادث والعبر المستفادة من التذكير به فكثيرة . .
وأول ما توحي به أن الله - سبحانه - لم يرد أن يكل حماية بيته إلى المشركين ، ولو أنهم كانوا يعتزون بهذا البيت ، ويحمونه ويحتمون به . فلما أراد أن يصونه ويحرسه ويعلن حمايته له وغيرته عليه ترك المشركين يهزمون أمام القوة المعتدية . وتدخلت القدرة سافرة لتدفع عن بيت الله الحرام ، حتى لا تتكون للمشركين يد على بيته ولا سابقة في حمايته ، بحميتهم الجاهلية . ولعل هذه الملابسة ترجح ترجيحا قويا أن الأمر جرى في إهلاك المعتدين مجرى السنة الخارقة - لا السنة المألوفة المعهودة - فهذا أنسب وأقرب . .
ولقد كان من مقتضى هذا التدخل السافر من القدرة الإلهية لحماية البيت الحرام أن تبادر قريش ويبادر العرب إلى الدخول في دين الله حينما جاءهم به الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وألا يكون اعتزازهم بالبيت وسدانته وما صاغوا حوله من وثنية هو المانع لهم من الإسلام ! وهذا التذكير بالحادث على هذا النحو هو طرف من الحملة عليهم ، والتعجيب من موقفهم العنيد !
كذلك توحي دلالة هذا الحادث بأن الله لم يقدر لأهل الكتاب - أبرهة وجنوده - أن يحطموا البيت الحرام أو يسيطروا على الأرض المقدسة . حتى والشرك يدنسه ، والمشركون هم سدنته . ليبقي هذا البيت عتيقا من سلطان المتسلطين ، مصونا من كيد الكائدين . وليحفظ لهذه الأرض حريتها حتى تنبت فيها العقيدة الجديدة حرة طليقة ، لا يهيمن عليها سلطان ، ولا يطغى فيها طاغية ، ولا يهيمن على هذا الدين الذي جاء ليهيمن على الأديان وعلى العباد ، ويقود البشرية ولا يقاد . وكان هذا من تدبير الله لبيته ولدينه قبل أن يعلم أحد أن نبي هذا الدين قد ولد في هذا العام !
ونحن نستبشر بإيحاء هذه الدلالة اليوم ونطمئن ، إزاء ما نعلمه من أطماع فاجرة ماكرة ترف حول الأماكن المقدسة من الصليبية العالمية والصهيونية العالمية ، ولا تني أو تهدأ في التمهيد الخفي اللئيم لهذه الأطماع الفاجرة الماكرة . فالله الذي حمى بيته من أهل الكتاب وسدنته مشركون ، سيحفظه إن شاء الله ، ويحفظ مدينة رسوله من كيد الكائدين ومكر الماكرين !
والإيحاء الثالث هو أن العرب لم يكن لهم دور في الأرض . بل لم يكن لهم كيان . قبل الإسلام . كانوا في اليمن تحت حكم الفرس أو الحبشة . وكانت دولتهم حين تقوم هناك أحيانا تقوم تحت حماية الفرس . وفي الشمال كانت الشام تحت حكم الروم إما مباشرة وإما بقيام حكومة عربية تحت حماية الرومان . . ولم ينج إلا قلب الجزيرة من تحكم الأجانب فيه . ولكنه ظل في حالة بداوة أو في حالة تفكك لا تجعل منه قوة حقيقية في ميدان القوى العالمية . وكان يمكن أن تقوم الحروب بين القبائل أربعين سنة ، ولكن لم تكن هذه القبائل متفرقة ولا مجتمعة ذات وزن عند الدول القوية المجاورة . وما حدث في عام الفيل كان مقياسا لحقيقة هذه القوة حين تتعرض لغزو أجنبي .
وتحت راية الإسلام ولأول مرة في تاريخ العرب أصبح لهم دور عالمي يؤدونه . وأصبحت لهم قوة دولية يحسب لها حساب . قوة جارفة تكتسح الممالك وتحطم العروش ، وتتولى قيادة البشرية ، بعد أن تزيح القيادات الجاهلية المزيفة الضالة . . ولكن الذي هيأ للعرب هذا لأول مرة في تاريخهم هو أنهم نسوا أنهم عرب ! نسوا نعرة الجنس ، وعصبية العنصر ، وذكروا أنهم ومسلمون . مسلمون فقط . ورفعوا راية الإسلام ، وراية الإسلاموحدها . وحملوا عقيدة ضخمة قوية يهدونها إلى البشرية رحمة وبرا بالبشرية ؛ ولم يحملوا قومية ولا عنصرية ولا عصبية . حملوا فكرة سماوية يعلمون الناس بها لا مذهبا أرضيا يخضعون الناس لسلطانه . وخرجوا من أرضهم جهادا في سبيل الله وحده ، ولم يخرجوا ليؤسسوا إمبراطورية عربية ينعمون ويرتعون في ظلها ، ويشمخون ويتكبرون تحت حمايتها ، ويخرجون الناس من حكم الروم والفرس إلى حكم العرب وإلى حكمهم أنفسهم ! إنما قاموا ليخرجوا الناس من عبادة العباد جميعا إلى عبادة الله وحده ، كما قال ربعي بن عامر رسول المسلمين في مجلس يزدجرد : " الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام " .
عندئذ فقط كان للعرب وجود ، وكانت لهم قوة ، وكانت لهم قيادة . . ولكنها كانت كلها لله وفي سبيل الله . وقد ظلت لهم قوتهم . وظلت لهم قيادتهم ما استقاموا على الطريقة . حتى إذا انحرفوا عنها وذكروا عنصريتهم وعصبيتهم ، وتركوا راية الله ليرفعوا راية العصبية نبذتهم الأرض وداستهم الأمم ، لأن الله قد تركهم حيثما تركوه ، ونسيهم مثلما نسوه !
وما العرب بغير الإسلام ? ما الفكرة التي قدموها للبشرية أو يملكون تقديمها إذا هم تخلوا عن هذه الفكرة ? وما قيمة أمة لا تقدم للبشرية فكرة ? إن كل أمة قادت البشرية في فترة من فترات التاريخ كانت تمثل فكرة . والأمم التي لم تكن تمثل فكرة كالتتار الذين اجتاحوا الشرق ، والبرابرة الذين اجتاحوا الدولة الرومانية في الغرب لم يستطيعوا الحياة طويلا ، إنما ذابوا في الأمم التي فتحوها . والفكرة الوحيدة التي تقدم بها العرب للبشرية كانت هي العقيدة الإسلامية ، وهي التي رفعتهم إلى مكان القيادة ، فإذا تخلوا عنها لم تعد لهم في الأرض وظيفة ، ولم يعد لهم في التاريخ دور . . وهذا ما يجب أن يذكره العرب جيدا إذا هم أرادوا الحياة ، وأرادوا القوة ، وأرادوا القيادة . . والله الهادي من الضلال . .
وقوله : { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مأكولٍ } يعني تعالى ذكره : فجعل الله أصحاب الفيل كزرع أكلته الدوابّ فراثته ، فيبس وتفرّقت أجزاؤه ، شبّه تقطّع أوصالهم بالعقوبة التي نزلت بهم ، وتفرّق آراب أبدانهم بها ، بتفرّق أجزاء الروث ، الذي حدث عن أكل الزرع .
وقد كان بعضهم يقول : العَصْف : هو القشر الخارج الذي يكون على حبّ الحنطة من خارج ، كهيئة الغلاف لها . ذكر من قال : عُنِي بذلك ورق الزرع :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { كَعَصْفٍ مأْكُولٍ } قال : ورق الحنطة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { كَعَصْفٍ مأْكُولٍ }قال : هو التّبن .
وحُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { كَعَصْفٍ مأْكُولٍ } : كزرع مأكول .
حدثني محمد بن عُمارة الأسديّ ، قال : حدثنا زريق بن مرزوق ، قال : حدثنا هبيرة ، عن سَلَمة بن نُبَيط ، عن الضحاك ، في قوله { كَعَصْفٍ مأْكُولٍ } قال : هو الهَبُور بالنبطية ، وفي رواية : المقهور .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مأْكُولٍ } قال : ورق الزرع وورق البقل ، إذا أكلته البهائم فراثته ، فصار رَوْثا .
ذكر من قال : عُني به قشر الحبّ :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس { كَعَصْفٍ مأْكُولٍ } قال : البُرّ يؤكل ويُلْقى عَصْفُه الريح . والعَصْف : الذي يكون فوق البرّ : هو لحاء البرّ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي سنان ، عن حبيب بن أبي ثابت : { كَعَصْفٍ مأْكُولٍ } قال : كطعام مطعوم .
و «العصف » : ورق الحنطة وتبنه ، ومنه قول علقمة بن عبدة : [ البسيط ]
تسقى مذانب قد مالت عصيفتها . . . حدورها من أتيّ الماء مطموم{[11990]}
والمعنى صاروا طيناً ذاهباً كورق حنطة أكلته الدواب وراثته{[11991]} فجمع المهانة والخسة وأتلف ، وقرأ أبو الخليج الهذلي{[11992]} " فتركتهم كعصف " ، قال أبو حاتم ، وقرأ بعضهم : «فجعلتهم » يعنون الطير بفتح اللام وتاء ساكنة ، وقال عكرمة : العصف حب البر إذا أكل فصار أجوف ، وقال الفراء : هو أطراف الزرع قبل أن يسنبل ، وهذه السورة متصلة في مصحف أبي بن كعب بسورة { لإيلاف قريش } لا فصل بينهما{[11993]} ، وقال سفيان بن عيينة : كان لنا إمام يقرأ بهما متصلة سورة واحدة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
فشبههم بورق الزرع المأكول ، يعني البالي...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
فجعل الله أصحاب الفيل كزرع أكلته الدوابّ فراثته ، فيبس وتفرّقت أجزاؤه ، شبّه تقطّع أوصالهم بالعقوبة التي نزلت بهم ، وتفرّق آراب أبدانهم بها ، بتفرّق أجزاء الروث ، الذي حدث عن أكل الزرع .
وقد كان بعضهم يقول : العَصْف : هو القشر الخارج الذي يكون على حبّ الحنطة من خارج ، كهيئة الغلاف لها . ...
وقال آخرون ...عن حبيب بن أبي ثابت : { كَعَصْفٍ مأْكُولٍ } قال : كطعام مطعوم ....
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قالوا : العصف هو ورق الزرع ، أو ورق كل نابت .
وقوله : { مأكول } ينحو نحوين ، ويتوجه وجهين : إلى ما قد أكل ، وإلى ما لم يؤكل ، إذ ما لم يؤكل إذا كان معدا للأكل سمي مأكولا . فإن كان غير المأكول فكأنه قال : جعلهم في الضعف والرخاوة مع قوتهم وسلطانهم كعلف الدواب حتى لا يخاف منهم بعد ذلك أبدا . وإن كان على المأكول فهو أنه تعالى جعلهم كالمأكول الذي أكلته الدود ، فيكون { فيه ثقوب } ، ...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
والمعنى صاروا طيناً ذاهباً كورق حنطة أكلته الدواب وراثته فجمع المهانة والخسة وأتلف ...
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
وذهب غير واحد إلى أن المعنى كتبن أكلته الدواب وراثته والمراد كروث إلا أنه لم يذكر بهذا اللفظ لهجنته فجاء على الآداب القرآنية فشبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزاء الروث ففيه إظهار تشويه حالهم وقيل المعنى كتبن تأكله الدواب وتروثه والمراد جعلهم في حكم التبن الذي لا يمنع عنه الدواب أي مبتذلين ضائعين لا يلتفت إليهم أحد ولا يجمعهم ولا يدفنهم كتبن في الصحراء تفعل به الدواب ما شاءت لعدم حافظ له إلا أنه وضع مأكول موضع أكلته الدواب لحكاية الماضي في صورة الحال ....
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
والعصف : الجاف من ورق الشجر . ووصفه بأنه مأكول : أي فتيت طحين ! حين تأكله الحشرات وتمزقه ، أو حين يأكله الحيوان فيمضغه ويطحنه ! وهي صورة حسية للتمزيق البدني بفعل هذه الأحجار التي رمتهم بها جماعات الطير . ولا ضرورة لتأويلها بأنها تصوير لحال هلاكهم بمرض الجدري أو الحصبة . ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وهذا تمثيل لحال أصحاب الفيل بعد تلك النضرة والقوة كيف صاروا متساقطين على الأرض هالكين .
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
والعصف : هو الجاف من ورق الشجر ، والمأكول هو الفتيت من الطحين حين تمزقه الحشرات وتأكله ، أو حين يأكله الحيوان ويمضغه ، وهكذا تمزقت أجسادهم وتفتّتت بفعل هذه الحجارة التي كانت تفعل فيها فعل القذيفة التي تحوّل الأجساد إلى أشلاء ، بقدرة الله التي لا يعجزها شيء ... فعلى المؤمنين أن يعرفوا كيف حفظ الله بيته الحرام ، حتى وهو في أيدي المشركين الذين تفرقوا عنه ، فكيف لا يحميه وهو في أيدي المؤمنين ، وتلك هي العبرة البالغة في كل حين .
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
{ فجعلهم كعصف مأكول } . و«العصف » هو النبات الجاف المتهشّم ، أي هو ( التبن ) بعبارة أخرى . وقيل : إنّه قشر القمح حين يكون في سنبله . والمناسب هنا هو المعنى الأوّل . وقال : «مأكول » ، إشارة إلى أنّ هذا التبن قد سحق مرّة أخرى بأسنان الحيوان ، ثمّ هشّم ثالثة في معدته ، وهذا يعني أنّ أصحاب الفيل قد تلاشوا بشكل كامل عند سقوط الحجارة عليهم . وهذا التعبير إضافة إلى ما له من معنى الإبادة التامة ، يحمل معنى التفاهة والضعف ممّا صار إليه هؤلاء المهاجمون الطغاة المستكبرون والمتظاهرون بالقوّة .
المعجزة ( للبيت ربّ يحميه ): القرآن الكريم يذكر هذه القصّة الطويلة في عبارات قليلة قصيرة قارعة ، وفي غاية الفصاحة والبلاغة ، ويركز على نقاط تساعد على تحقيق الأهداف القرآنية المتمثلة في إيقاظ المتعنتين المغرورين ، وبيان ضعف الإنسان أمام قدرة الجبار المتعال .. . .
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فأما دلالة هذا الحادث والعبر المستفادة من التذكير به فكثيرة . . وأول ما توحي به أن الله - سبحانه - لم يرد أن يكل حماية بيته إلى المشركين ، ولو أنهم كانوا يعتزون بهذا البيت ، ويحمونه ويحتمون به . فلما أراد أن يصونه ويحرسه ويعلن حمايته له وغيرته عليه ترك المشركين يهزمون أمام القوة المعتدية . وتدخلت القدرة سافرة لتدفع عن بيت الله الحرام ، حتى لا تتكون للمشركين يد على بيته ولا سابقة في حمايته ، بحميتهم الجاهلية . ولعل هذه الملابسة ترجح ترجيحا قويا أن الأمر جرى في إهلاك المعتدين مجرى السنة الخارقة - لا السنة المألوفة المعهودة - فهذا أنسب وأقرب . . ولقد كان من مقتضى هذا التدخل السافر من القدرة الإلهية لحماية البيت الحرام أن تبادر قريش ويبادر العرب إلى الدخول في دين الله حينما جاءهم به الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وألا يكون اعتزازهم بالبيت وسدانته وما صاغوا حوله من وثنية هو المانع لهم من الإسلام ! وهذا التذكير بالحادث على هذا النحو هو طرف من الحملة عليهم ، والتعجيب من موقفهم العنيد ! كذلك توحي دلالة هذا الحادث بأن الله لم يقدر لأهل الكتاب - أبرهة وجنوده - أن يحطموا البيت الحرام أو يسيطروا على الأرض المقدسة . حتى والشرك يدنسه ، والمشركون هم سدنته . ليبقي هذا البيت عتيقا من سلطان المتسلطين ، مصونا من كيد الكائدين . وليحفظ لهذه الأرض حريتها حتى تنبت فيها العقيدة الجديدة حرة طليقة ، لا يهيمن عليها سلطان ، ولا يطغى فيها طاغية ، ولا يهيمن على هذا الدين الذي جاء ليهيمن على الأديان وعلى العباد ، ويقود البشرية ولا يقاد . وكان هذا من تدبير الله لبيته ولدينه قبل أن يعلم أحد أن نبي هذا الدين قد ولد في هذا العام ! ونحن نستبشر بإيحاء هذه الدلالة اليوم ونطمئن ، إزاء ما نعلمه من أطماع فاجرة ماكرة ترف حول الأماكن المقدسة من الصليبية العالمية والصهيونية العالمية ، ولا تني أو تهدأ في التمهيد الخفي اللئيم لهذه الأطماع الفاجرة الماكرة . فالله الذي حمى بيته من أهل الكتاب وسدنته مشركون ، سيحفظه إن شاء الله ، ويحفظ مدينة رسوله من كيد الكائدين ومكر الماكرين ! والإيحاء الثالث هو أن العرب لم يكن لهم دور في الأرض . بل لم يكن لهم كيان . قبل الإسلام . كانوا في اليمن تحت حكم الفرس أو الحبشة . وكانت دولتهم حين تقوم هناك أحيانا تقوم تحت حماية الفرس . وفي الشمال كانت الشام تحت حكم الروم إما مباشرة وإما بقيام حكومة عربية تحت حماية الرومان . . ولم ينج إلا قلب الجزيرة من تحكم الأجانب فيه . ولكنه ظل في حالة بداوة أو في حالة تفكك لا تجعل منه قوة حقيقية في ميدان القوى العالمية . وكان يمكن أن تقوم الحروب بين القبائل أربعين سنة ، ولكن لم تكن هذه القبائل متفرقة ولا مجتمعة ذات وزن عند الدول القوية المجاورة . وما حدث في عام الفيل كان مقياسا لحقيقة هذه القوة حين تتعرض لغزو أجنبي ...