السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَجَعَلَهُمۡ كَعَصۡفٖ مَّأۡكُولِۭ} (5)

ولما تسبب عن هذا الرمي هلاكهم ، وكان ذلك بفعل الله تعالى ؛ لأنه الذي خلق الأثر قطعاً ، لأنّ مثله لا ينشأ عنه ما نشأ من الهلاك ، قال الله تعالى : { فجعلهم } أي : ربك المحسن إليك بإحسانه على قومك لأجلك بذلك { كعصف مأكول } أي : كورق زرع أكلته فراثته فيبس وتفرّقت أجزاءه ، شبه قطع أوصالهم بتفرّق أجزاء الروث . قال مجاهد : العصف ورق الحنطة . وقال قتادة : هو التبن . وقال عكرمة : كالحبّ إذا أكل وصار أجوف ؛ لأنّ الحجر كان يأتي في الرأس فيحرق بما له الحرارة وشدّة الوقع كلما مرّ به حتى يخرج من الدبر ، ويصير موضع تجويفه أسود لما له من النارية . وقال ابن عباس : هو القشر الخارج الذي يكون على حب الحنطة كهيئة الغلاف له ، وروي أن الحجر كان يقع على أحدهم فيخرج كل ما في جوفه فيبقى كقشر الحنطة إذا خرجت منه الحبة ، وعن عكرمة : من أصابه جدره ، وهو أوّل جدري ظهر . وعن أبي سعيد الخدري أنه سئل عن الطير فقال : حمام مكة منها ، وقيل : جاءت عشية ثم صبحتهم .

واختلف في تاريخ عام الفيل ، فقيل : كان قبل مولد النبيّ صلى الله عليه وسلم بأربعين سنة ، وقيل : بثلاث وعشرين سنة .

والأكثرون على أنه كان في العام الذي ولد فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وعن عائشة قالت : رأيت سائس الفيل وقائده أعميين مقعدين يستطعمان الناس ، وقال عبد الملك بن مروان لعتاب بن أسيد : أنت أكبر أم النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : النبيّ صلى الله عليه وسلم أكبر مني ، وأنا أسنّ منه ، ولد صلى الله عليه وسلم عام الفيل ، وأنا أدركت سائسه وقائده أعميين مقعدين يستطعمان الناس ؛ بل قيل : لم يكن بمكة أحد إلا رأى قائد الفيل وسائسه أعميين يتكففان الناس ؛ لأنّ عائشة مع صغر سنها رأتهما . وقال ابن إسحاق : لما ردّ الله تعالى الحبشة عن مكة المشرّفة عظمت العرب قريشاً ، وقالوا : أهل الله ، قاتل عنهم ، وكفاهم مؤنة عدوّهم ، فكان ذلك نعمة من الله عليهم .

وقال بعض العلماء : كانت قصة الفيل مما نعدّه من معجزاته صلى الله عليه وسلم ، وإن كانت قبله ؛ لأنها كانت توكيداً لأمره وتمهيداً لشأنه .

ختام السورة:

وقول البيضاوي تبعاً للزمخشريّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قرأ سورة الفيل أعفاه الله أيام حياته من الخسف والمسخ » حديث موضوع .