المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{فَجَعَلَهُمۡ كَعَصۡفٖ مَّأۡكُولِۭ} (5)

و «العصف » : ورق الحنطة وتبنه ، ومنه قول علقمة بن عبدة : [ البسيط ]

تسقى مذانب قد مالت عصيفتها . . . حدورها من أتيّ الماء مطموم{[11990]}

والمعنى صاروا طيناً ذاهباً كورق حنطة أكلته الدواب وراثته{[11991]} فجمع المهانة والخسة وأتلف ، وقرأ أبو الخليج الهذلي{[11992]} " فتركتهم كعصف " ، قال أبو حاتم ، وقرأ بعضهم : «فجعلتهم » يعنون الطير بفتح اللام وتاء ساكنة ، وقال عكرمة : العصف حب البر إذا أكل فصار أجوف ، وقال الفراء : هو أطراف الزرع قبل أن يسنبل ، وهذه السورة متصلة في مصحف أبي بن كعب بسورة { لإيلاف قريش } لا فصل بينهما{[11993]} ، وقال سفيان بن عيينة : كان لنا إمام يقرأ بهما متصلة سورة واحدة .


[11990]:قال علقمة هذا البيت من قصيدة له يتناول فيها حبيبته ثم ناقته قبل أن يتحدث عن شخصيته، والبيت واحد من الأبيات التي يصف فيها الناقة فيكثر من ذكر التفاصيل. والمذانب: مدافع الماء إلى الأرض، والعصيفة: الورق المجتمع الذي يكون فيه السنبل، والحدور: ما انحدر من الأرض واطمأن، والأتي: السيل المندفع، والمطموم الممتلىء. يقول: إن هذه الناقة –التي وصفها قبل ذلك بالقوة وضخامة الجسم – تسقي هذه المذانب التي زال عنها ما كان بها من عصيفة، وامتلأ ما انخفض منها بماء السيل المندفع إليه من أعلى.
[11991]:أي أخرجته روثا.
[11992]:هو أبو المليح بن أسامة بن عمير – أو عامر- بن حنيف بن ناجية الهذلي، اسمه عامر، وقيل: زيد، وقيل : زياد. قال عنه الحافظ العسقلاني في (تقريب التهذيب): "ثقة، مات سنة ثمان وتسعين، وقيل: ثمان ومائة، وقيل: بعد ذلك".
[11993]:فيكون المعنى متصلا، والتقدير: فعلت ذلك بأصحاب الفيل حتى تألف قريش ما أنعمت به عليها من رحلتي الشتاء والصيف.