محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{فَجَعَلَهُمۡ كَعَصۡفٖ مَّأۡكُولِۭ} (5)

{ فجعلهم كعصف مأكول } قال ابن جرير{[7545]} : كزرع أكلته الدواب فراثته وتفرقت أجزاؤه ، شبه تقطع أوصالهم بالعقوبة التي نزلت بهم ، وتفرق آراب أبدانهم بها بتفرق أجزاء الروث الذي حدث عن أكل الزرع .

قال الشهاب : ولم يذكر الروث لهجنته ، فجاء على الآداب القرآنية ، وفيه إظهار تشويه حالهم .

وقال أبو مسلم : ( العصف ) التبن ، لقوله{[7546]} { ذو العصف والريحان . . . } لأنه تعصف به الريح عند الذر فتفرقه عن الحب ، وهو إذا كان مأكولا فقد بطل ولا رجعة له ولا منعة فيه انتهى .

ومن الوجوه في الآية أن يكون المعنى كزرع قد أكل حبه وبقي تبنه ، والتقدير : كعصف مأكول الحب ، كما يقال : فلان حسن ، أي حسن الوجه ، فأجرى { مأكول } على ( العصف ) من أجل أنه أكل حبه ؛ لأن هذا المعنى معلوم ، ومنها أيضا أن معنى { مأكول } مما يؤكل ، يعني تأكله الدواب . يقال لكل ما يصلح للأكل : ( هو مأكول ) ، والمعنى جعلهم كتبن تأكله الدواب في التفرق والتفتت والهلاك ، أشار له الرازي .

ختام السورة:

تنيهات :

الأول : كان السبب الذي من أجله حلت عقوبة الله تعالى لأصحاب الفيل مسير أبرهة الحبشي بجنده مع الفيل إلى بيت الله الحرام لتخريبه ، وواقعة الفيل في ذاتها معروفة متواترة الرواية ، حتى إنهم جعلوها مبدأ تاريخ يحددون به أوقات الحوادث ، فيقولون : ولد عام الفيل ، وحدث كذا لسنتين بعد عام الفيل ، ونحو ذلك . وتفصيل نبئها على ما أثره ابن هشام أن أبرهة الحبشي كان أمير صنعاء للنجاشي ، وكان ذا دين في النصرانية ، فبنى بصنعاء كنيسة لم ير مثلها في زمانها ، ثم كتب للنجاشي : إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ، ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب ، فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة ذلك إلى النجاشي غضب رجل من كنانة ، فخرج حتى أتى الكنيسة فقعد فيها ( أي أحدث فيها ) ، ثم خرج فلحق بأرضه ، فأخبر بذلك أبرهة ، فقال : من صنع هذا ؟ فقيل : صنع هذا رجل من العرب من أهل هذا البيت الذي تحج العرب إليه بمكة ، لما سمع قولك :( أصرف إليها حج العرب ) غضب فجاء فقعد فيها ، أي إنها ليست لذلك بأهل ، فغضب عند ذلك أبرهة ، وحلف ليسيرن إلى البيت حتى يهدمه ، ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت ، ثم سار وخرج معه بالفيل ، وسمعت بذلك العرب فأعظموه وفظعوا به ، ورأوا جهاده حقا عليهم ، حين سمعوا بأنه يريد هدم الكعبة بيت الله الحرام ، فخرج إليه رجل كان من أشراف أهل اليمن وملوكهم -يقال له : ذو نفر- فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت الله الحرام ، وما يريد من هدمه وإخراجه ، فأجابه إلى ذلك من أجابه ، ثم عرض له فقاتله فهزم ذو نفر وأصحابه ، وأتي به أسيرا ، فلما أراد قتله قال له ذو نفر : أيها الملك لا تقتلني ، فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيرا لك من قتلي ، فتركه من القتل ، وحبسه عنده في وثاق ، وكان أبرهة رجلا حليما ، ثم مضى أبرهة على وجهه ذلك يريد ما خرج له ، حتى إذا كان بأرض خثعم عرض نفيل بن حبيب الخثعمي في قبيلتي خثعم شهران وناهس ومن تبعه من قبائل العرب ، فقاتله فهزمه أبرهة ، وأخذ له نفيل أسيرا ، فأتي به ، فلما هم بقتله قال له نفيل : يأ أيها الملك لا تقتلني ، فإني دليلك بأرض العرب ، وهاتان يداي لك على قبيلتي خثعم شهران وناهس بالسماع والطاعة ، فخلى سبيله ، وخرج به معه يدله ، حتى إذا مر بالطائف خرج له مسعود بن متعب الثقفي في رجاله ثقيف ، فقالوا له : أيها الملك ، إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون ، ليس عندنا لك خلاف ، وليس بيننا هذا البيت الذي بمكة ، ونحن نبعث معك من يدلك عليه ، فتجاوز عنهم ، واللات بيت لهم بالطائف كانوا يعظمونه نحو تعظيم الكعبة ، فبعثوا معه أبا رغال يدله على الطريق إلى مكة ، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال حتى أنزله المغمس ، فلما أنزله به مات أبو رغال هنالك ، فرجمت قبره العرب ، فهو القبر الذي يرجم الناس بالمغمس ، فلما نزل أبرهة المغمس بعث رجلا من الحبشة - يقال له : الأسود بن مفصود- على خيل له ، حتى انتهى إلى مكة ، فساق إليه أموال أهل تهامة من قريش وغيرهم ، وأصاب فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم ، وهو يومئذ كبير قريش وسيدها ، فهمت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بذلك الحرم بقتاله ، ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به فتركوا ذلك ، وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة ، وقال له : سل عن سيد أهل هذا البلد وشريفهم ، ثم قل له : إن الملك يقول لك : إني لم آت لحربكم ، إنما جئت لهدم هذا البيت ، فإن لم تعرضوا لنا دونه بحرب فلا حاجة لي في دمائكم ، فإن هو لم يرد حربي فأتني به ، فلما دخل حناطة مكة سأل من سيد قريش وشريفها ، فقيل له : عبد المطلب بن هاشم ، فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة ، فقال له عبد المطلب : والله ما نريد حربه ، وما لنا بذلك طاقة ، هذا ييت الله الحرام ، وبيت خليله عليه السلام ، ( أو كما قال ) ، فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه ، وإن يخل بينه وبينه فوالله ما عندنا دفع عنه ، فقال له حناطة : فانطلق معي إليه ، فإنه قد أمرني أن آتيه بك . انطلق معه عبد المطلب ومعه بعض بنيه حتى أتى العسكر ، فسأل عن ذي نفر ، وكان له صديقا ، حتى دخل عليه وهو في محبسه ، فقال له : يا ذا نفر ، هل عندك من غناء فيما نزل بنا ؟ فقال له ذو نفر : وما غناء رجل أسير بيدي ملك ينتظر أن يقتله غدوا أو عشيا ، ما عندي من غناء في شيء مما نزل به ، إلا أن أنيسا سائس الفيل صديق لي ، فأرسل إليه وأوصيه بك ، وأعظم عليه حقك ، وأسأله أن يستأذن لك على الملك فيكلمه بما بدا لك ، ويشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك . فقال : حسبي . فبعث ذو نفر إلى أنيس ، فقال له : إن عبد المطلب سيد قريش ، وصاحب عين مكة ، يطعم الناس بالسهل والوحوش في رؤوس الجبال ، وقد أصاب له الملك مائتي بعير ، فاستأذن له عليه ، وانفعه عنده بما استطعت ، فقال : لأفعل ، فكلم أنيس أبرهة فقال له : أيها الملك ، هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك ، وهو صاحب عين مكة ، وهو يطعم الناس في السهل والوحوش في رؤوس الجبال ، فأذن له عليك فليكلمك في حاجته . قال : فأذن له أبرهة . قال : وكان عبد المطلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم ، فلما رآه أبرهة أجله وأعظمه وأكرمه عن أن يجلسه تحته ، وكره أن تراه الحبشة يجلسه معه على سرير ملكه ، فنزل أبرهة عن سريره فجلس على بساطه ، وأجلسه معه عليه إلى جنبه ، ثم قال لترجمانه : قل : ما حاجتك ؟ فقال له ذلك الترجمان ، فقال : حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي . فلما قال له ذلك ، قال أبرهة لترجمانه : قل له : قد كنت أعجبتني حين رأيتك ، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني . أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك ، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه . قال له عبد المطلب : إني أنا رب الإبل ، وإن للبيت ربا سيمنعه . قال : وما كان ليمتنع مني . قال : أنت وذاك . وكان فيما يزعم أهل العلم قد ذهب مع عبد المطلب إلى أبرهة حين بعث إليه حناطة يعمر بن نفاثة سيد بني بكر ، وخويلد بن وائلة سيد هذيل ، فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عنهم ولا يهدم البيت ، فأبى عليهم ، والله أعلم أكان ذلك أم لا .

فرد أبرهة على عبد المطلب الإبل التي أصاب له ، فلما انصرفوا عنه انصرف عبد المطلب إلى قريش فأخبرهم الخبر ، وأمرهم بالخروج من مكة ، والتحرز في شغف الجبال والشعاب تخوفا عليهم من معرة الجيش ، ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة ، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده ، فقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة :

لاهم إن العبد يم***نع رحله فامنع حلالك

لا يغلبن صليبهم ***ومحالهم عدوا محالك

إن كنت تاركهم وقب***لتنا فأمر ما بدا لك

ثم أرسل عبد المطلب حلقة باب الكعبة وانطلق هو ومن معه من قريش إلى شغف الجبال ، فتحرزوا فيها ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها ، فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة ، وهيأ فيله ، وعبى جيشه ، وأبرهة مجمع لهدم البيت ثم الانصراف إلى اليمن ، فلما وجهوا الفيل إلى مكة أقبل نفيل بن حبيب حتى قام إلى جنب الفيل ، فأخذ بأذنه فقال له : ابرك أو ارجع راشدا من حيث جئت ، فإنك في بلد الله الحرام ، ثم أرسل أذنه ، فبرك الفيل ، وخرج نفيل يشتد حتى أصعد في الجبل ، وضربوا الفيل ليقوم ، فضربوا رأسه ليقوم فأبى ، فأدخلوا محاجن لهم في مراقه فبزغوه بها ، أي أدموه ليقوم فأبى ، فوجهوه راجعا إلى اليمين فقام يهرول ، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى مكة فبرك ، وأرسل الله تعالى طيرا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها : حجر في منقاره ، وحجران في رجليه ، أمثال الحمص والعدس ، لا تصيب منهم أحدا إلا هلك ، وليس كلهم أصابت ، وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاؤوا ، ويسألون عن نفيل ليدلهم على الطريق إلى اليمن ، فقال نفيل حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته :

أين المفر والإله الطالب***والأشرم المغلوب ليس الغالب

فخرجوا يتساقطون بكل طريق ، ويهلكون بكل مهلك ، على كل منهل ، وأصيب أبرهة في جسده ، وخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة ، كلما سقطت منه أنملة أتبعتها منه مدجة تمت ، أي تسيل قيحا ودما ، حتى قدموا به صنعاء ، وهو مثل فرخ الطائر ، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون .

قال ابن إسحق : فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم كان مما يعد الله على قريش من نعمته عليهم وفضله ما رد عنهم من أمر الحبشة لبقاء أمرهم ومدتهم ، فقال تعالى { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل . . . } السورة .

ثم قال ابن إسحاق : فلما رد الله الحبشة عن مكة ، وأصابهم بما أصابهم به من النقمة ، أعظمت العرب قريشا وقالوا : أهل الله ، قاتل الله عنهم ، وكفاهم مؤونة عدوهم ، فقالوا في ذلك أشعارا يذكرون فيها ما صنع الله بالحبشة ، وما رد عن قريش من كيدهم ، ثم ساق القصائد في ذلك .

وإنما آثرت في سياقها ما رواه ابن هشام عن ابن إسحاق ؛ لأنه أحسن اقتصاصا ، وأبلغ سبكا ، لإثارته عن صميم العربية روايات نبغاء رجالها ، فرحمه الله ورضي عنه .

التنبيه الثاني : إنما أضيف أمر القصة إلى الفيل واشتهرت به لاصطحابهم الفيل معهم للبطش والتخريب ، فإنه لو تم لقائديه كيدهم لكان الفيل يدهم العاملة ، وسهمهم النافذ ، وذلك أن جبابرة البلاد التي يوجد فيها الفيل يتخذونه آلة بطش وانتقام ، فإذا غضبوا على محارب وأسروه ، أو وزير وأوثقوه ، أو بلد ونازلوا حصنه ، أرسلوا على دار المغضوب عليه أو حصنه الفيل ، فنطح برأسه ونابه الصرح ، فيدكه وقواعد البنيان فيهدمها ، فيكون أمضى من معاول وفؤوس ، وأعظم رعبا ورهبا في النفوس ، وربما ألقوا المسخوط عليه بين يديه ، فأعمل فيه نابه ، ولف عليه خرطومه وشاله ، ومثل به تمثيلا كان أشد بطشا وتنكيلا ، وقد حدثني بغرائب هذه الفظائع الجاهلية بعض آل ملوك الأفغان لما أقام مدة بالشام .

الثالث : قال القاشاني : قصة أصحاب الفيل مشهورة ، وواقعتهم قريبة من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهي أحدى آيات قدرة الله ، وأثر من سخطه على من اجترأ عليه بهتك حرمه ، وإلهام الطيور والوحوش أقرب من إلهام الإنسان ، لكون نفوسهم ساذجة ، وتأثير الأحجار بخاصية أودعها الله تعالى فيها ليس بمستنكر ، ومن اطلع على عالم القدرة ، وكشف له حجاب الحكمة ، عرف لمية أمثال هذه .

قال : وقد وقع في زماننا مثلها ، من استيلاء الفأر على مدينة أبيورد ، وإفساد زروعهم ، ورجوعها في البرية إلى شط جيحون ، وأخذ كل واحد منها خشبة من الأيكة التي على شط نهرها ، وركوبها عليها ، وعبورها بها من النهر .

الرابع : قال الإمام الماوردي في ( أعلام النبوة ) : آيات الملك باهرة ، وشواهد النبوات قاهرة ، تشهد مباديها بالعواقب ، فلا يلتبس فيها كذب بصدق ، ولا منتحل بمحق ، وبحسب قوتها وانتشارها يكون بشائرها وإنذارها ، ولما دنا مولد الرسول صلى الله عليه وسلم تقاطرت آيات نبوته ، وظهرت آيات بركته ، فكان من أعظمها شأنا ، وأظهرها برهانا ، وأشهرها عيانا وبيانا ، أصحاب الفيل ، أنفذهم النجاشي من أرض الحبشة في جمهور جيشه إلى مكة لقتل رجالها ، وسبي ذراريها ، وهدم الكعبة ، وآية الرسول في قصة الفيل أنه كان في زمانها حملا في بطن أمه بمكة ؛ لأنه ولد بعد خمسين يوما من الفيل ، فكانت آيته في ذلك من وجهين : أحدهما أنهم لو ظفروا لسبوا واسترقوا ، فأهلكهم الله تعالى لصيانة رسوله أن يجري عليه السبي حملا ووليدا ، والثاني أنه لم يكن لقريش من التأله ما يستحقون به دفع أصحاب الفيل عنهم ، وما هم أهل الكتاب ؛ لأنهم كانوا بين عابد صنم ، أو متدين وثن ، أو قائل بالزندقة ، أو مانع من الرجعة ، ولكن لما أراده الله تعالى من ظهور الإسلام تأسيسا للنبوة ، وتعظيما للكعبة ، وأن يجعلها قبلة للصلاة ، ومنسكا للحج .

فإن قيل : فكيف منع عن الكعبة قبل مصيرها قبلة ومنسكا ، ولم يمنع الحجاج من هدمها وقد صارت قبلة ومنسكا ، حتى أحرقها ، ونصب المنجنيق عليها ؟ قيل : فعل الحجاج كان بعد استقرار الدين ، فاستغنى عن آيات تأسيسه ، وأصحاب الفيل كانوا قبل ظهور النبوة ، فجعل المنع منها آية لتأسيس النبوة ، ومجيء الرسالة ، على أن الرسول قد أنذر بهدمها ، فصار الهدم آية بعد أن كان المنع آية ، فلذلك اختلف حكمها في الحالين ، والله تعالى أعلم .

ولما انتشر في العرب ما صنع الله تعالى بجيش الفيل تهيبوا الحرم وأعظموه ، وزادت حرمته في النفوس ، ودانت لقريش بالطاعة ، وقالوا : أهل الله ، قاتل عنهم ، وكفاهم كيد عدوهم ، فزادوهم تشريفا وتعظيما ، فصاروا أئمة ديانين ، وقادة متبوعين ، وصار أصحاب الفيل مثلا في الغابرين ، وكان شأن الفيل رادعا لكل باغ ، ودافعا لكل طاغ ، وقد عاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمن نبوته وبعد هجرته جماعة شاهدوا الفيل ، وطير الأبابيل ، منهم حكيم بن حازم ، وحاطب بن عبد العزى ، ونوفل بن معاوية ؛ لأن كل واحد من هؤلاء عاش مائة وعشرين سنة ، منها ستين في الجاهلية ، وستين سنة في الإسلام انتهى .

الخامس : ورد في كثير من الأحاديث الصحيحة الإشارة إلى نبأ الفيل : روى البخاري{[1]} " أن النبي لما أظل يوم الحديبية على الثنية التي تهبط به على قريش بركت ناقته ، فزجروها ، فألحقت ، فقالو : خلأت القصواء ، أي حرنت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما خلأت القصواء ، وما ذاك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل " . قال ابن الأثير في ( النهاية ) : هو فيل أبرهة الحبشي الذي جاء يقصد خراب الكعبة ، فحبس الله الفيل ، فلم يدخل الحرم ، ورد رأسه راجعا من حيث جاء ، يعني أن الله حبس ناقة النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل إلى الحديبية ، فلم تتقدم ، ولم تدخل الحرم ؛ لأنه أراد أن يدخل مكة بالمسلمين . وفي ( الصحيحين ) {[2]} أيضا " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم مكة : إن الله حبس عن مكة الفيل ، وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، وإنه قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ، ألا فليبلغ الشاهد الغائب " .


[1]:(4 النساء 15 و 16).
[2]:(24 النور 2).
[7545]:انظر الصفحة رقم 304 من الجزء الثلاثين (طبعة الحلبي الثانية).
[7546]:55 / الرحمن / 12.