ثم يمضي السياق وقد وصل بالقلوب والمشاعر إلى ساحة الآخرة . . يمضي في عرض مشهد المكذبين والمتقين ، في ذلك الموقف العظيم :
( ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة . أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ? وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم ، لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون ) . .
وهذا هو المصير الأخير . فريق مسود الوجوه من الخزي ، ومن الكمد ، ومن لفح الجحيم . هو فريق المتكبرين في هذه الأرض ، الذين دعوا إلى الله ، وظلت الدعوة قائمة حتى بعد الإسراف في المعصية ، فلم يلبوا هاتف النجاة . فهم اليوم في خزي تسود له الوجوه .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللّهِ وُجُوهُهُم مّسْوَدّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنّمَ مَثْوًى لّلْمُتَكَبّرِينَ } .
يقول تعالى ذكره : وَيَوْمَ القِيامَةِ تَرَى يا محمد هؤلاء الّذِينَ كَذَبُوا على اللّهِ من قومك فزعموا أن له ولدا ، وأن له شريكا ، وعبدوا آلهة من دونه وُجُوهُهُمْ مُسْوَدّةٌ والوجوه وإن كانت مرفوعة بمسودة ، فإن فيها معنى نصب ، لأنها مع خبرها تمام ترى ، ولو تقدّم قوله مسودّة قبل الوجوه ، كان نصبا ، ولو نصب الوجوه المسودّة ناصب في الكلام لا في القرآن ، إذا كانت المسودّة مؤخرة كان جائزا ، كما قال الشاعر :
ذَرِينِي إنّ أمْرَكِ لَنْ يُطاعَا *** وَما ألْفَيْتَنِي حِلْمِي مُضَاعَا
فنصب الحلم والمضاع على تكرير ألفيتني ، وكذلك تفعل العرب في كلّ ما احتاج إلى اسم وخبر ، مثل ظنّ وأخواتها وفي «مسودّة » للعرب لغتان : مسودّة ، ومسوادّة ، وهي في أهل الحجاز يقولون فيما ذكر عنهم : قد اسوادّ وجهه ، واحمارّ ، واشهابّ . وذكر بعض نحويي البصرة عن بعضهم أنه قال : لا يكون أفعالّ إلا في ذي اللون الواحد نحو الأشهب ، قال : ولا يكون في نحو الأحمر ، لأن الأشهب لون يحدث ، والأحمر لا يحدث .
وقوله : ألَيْسَ فِي جَهَنّمَ مَثْوًى للْمُتَكَبّرِينَ يقول : أليس في جهنم مأوى ومسكن لمن تكبر على الله ، فامتنع من توحيده ، وانتهاء إلى طاعته فيما أمره ونهاه عنه .
ثم خاطب تعالى نبيه بخبر يراه يوم القيامة من حالة الكفار ، في ضمن هذا الخبر وعيد بين لمعاصريه .
وقوله : { ترى } هو من رؤية العين ، وكذبهم على الله : هو في أن جعلوا لله البنات والصاحبة ، وشرعوا ما لم يأذن به إلى غير ذلك .
وقوله : { وجوههم مسودة } جملة في موضع الحال{[9924]} ، وظاهر الآية : أن لون وجوههم يتغير ويسود حقيقة ، ويحتمل أن يكون في العبارة تجوز ، وعبر بالسواد عن أن يراد به وجوههم وغالب همهم وظاهر كآبتهم . والمثوى : موضع الثواء والإقامة . والمتكبر : رافع نفسه إلى فوق حقه ، وقال النبي عليه السلام : «الكبر سفه الحق وغمط الناس " أي احتقارهم{[9925]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.