قوله تعالى : { فإن عثر } ، أي : اطلع على خيانتهما ، وأصل العثور : الوقوع على الشيء .
قوله تعالى : { على أنهما } ، يعني : الوصيين .
قوله تعالى : { استحقا } ، استوجبا .
قوله تعالى : { إثما } ، بخيانتهما وبأيمانهما الكاذبة .
قوله تعالى : { فآخران } من أولياء الميت .
قوله تعالى : { يقومان مقامهما } ، يعني : مقام الوصيين .
قوله تعالى : { من الذين استحق } ، بضم التاء على المجهول ، هذه قراءة العامة ، يعني : الذين استحق .
قوله تعالى : { عليهم } ، أي فيهم ولأجلهم الإثم ، وهم ورثة الميت . استحق الحالفان بسببهم الإثم ، و( على ) بمعنى ( في ) ، كما قال الله { على ملك سليمان } [ البقرة :102 ] وقرأ حفص ( استحق ) بفتح التاء والحاء ، وهي قراءة علي والحسن ، أي : حق ، ووجب عليهم الإثم ، يقال : حق واستحق ، بمعنى واحد .
قوله تعالى : { الأوليان } ، نعت للآخران ، أي : فآخران الأوليان ، وإنما جاز ذلك والأوليان معرفة ، والآخران نكرة ، لأنه لما وصف الآخران فقال { من الذين } صار كالمعرفة في المعنى ، والأوليان تثنية الأولى ، ولأولى هو أقرب ، وقرأ حمزة ، وأبو بكر ، عن عاصم ، ويعقوب { الأولين } بالجمع ، فيكون بدلا من الذين ، والمراد منهم أيضا أولياء الميت . ومعنى الآية : إذا ظهرت خيانة الحالفين يقوم اثنان آخران من أقارب الميت .
قوله تعالى : { فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما } ، يعني : يميننا أحق من يمينهما ، نظيره قوله تعالى في اللعان : { فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله } . [ النور :6 ] . والمراد بها الأيمان ، فهو كقول القائل : أشهد بالله ، أي : أقسم بالله .
قوله تعالى : { وما اعتدينا } ، في أيماننا ، وقولنا أن شهادتنا أحق من شهادتهما .
قوله تعالى : { إنا إذا لمن الظالمين } . فلما نزلت هذه الآية قام عمرو بن العاص ، والمطلب بن أبي وداعة السهميان ، فحلفا بالله بعد العصر ، فدفع الإناء إليهما وإلى أولياء الميت . وكان تميم الداري بعدما أسلم يقول : صدق الله ورسوله ، أنا أخذت الإناء ، فأتوب إلى الله وأستغفره ، وإنما انتقل اليمين إلى الأولياء لأن الوصيين ادعيا أنهما ابتاعاه . والوصي إذا أخذ شيئا من مال الميت وقال : إنه أوصى لي به حلف الوارث ، إذا أنكر ذلك ، وكذلك لو ادعى رجل سلعة في يد رجل فاعترف ، ثم ادعى أنه اشتراها من المدعي ، حلف المدعي أنه لم يبعها منه ، ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن تميم الداري قال : كنا بعنا الإناء بألف درهم ، فقسمتها أنا وعدي ، فلما أسلمت تأثمت ، فأتيت موالي الميت ، فأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها ، فأتوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحلف عمرو والمطلب ، فنزعت الخمسمائة من عدي ، ورددت أنا الخمسمائة .
فإذا ظهر بعد ذلك أنهما ارتكبا إثم الشهادة الكاذبة واليمين الكاذبة والخيانة للأمانة . قام أولى اثنين من أهل الميت بوراثته ، من الذين وقع عليهم هذا الإثم ، بالحلف بالله أن شهادتهما أحق من شهادة الشاهدين الأولين . وأنهما لم يعتديا بتقريرهما هذه الحقيقة . وبذلك تبطل شهادة الأولين ، وتنفذ الشهادة الثانية .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِنْ عُثِرَ عَلَىَ أَنّهُمَا اسْتَحَقّآ إِثْماً فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ الّذِينَ اسْتَحَقّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَآ إِنّا إِذاً لّمِنَ الظّالِمِينَ } . .
يعني تعالى ذكره بقوله : فإنْ عُثِرَ : فإن اطلع منهما ، أو ظهر . وأصل العثر : الوقوع على الشيء والسقوط عليه ، ومن ذلك قولهم : عثرت إصبع فلان بكذا : إذا صدمته وأصابته ، ووقعت عليه ومنه قول الأعشى ميمون بن قيس :
بِذَاتِ لَوْثٍ عَفَرْناةً إذَا عَثَرَتْ ***فالتّعْسُ أدْنى لهَا مِنْ أنْ أقولَ لَعا
يعني بقوله : «عثرت » : أصاب ميسم خفها حجر أو غيره ، ثم يستعمل ذلك في كلّ واقع على شيء كان عنه خفيا ، كقولهم : «عَثَرَتْ على الغزل بأَخَرَة ، فلم تَدَعْ بنَجْدٍ قَرَدَةً » ، بمعنى : وقعت .
وأما قوله : على أنّهُما اسْتَحَقّا إثْما فإنه يقول تعالى ذكره : فإن اطلع من الوصيين اللذين ذكر الله أمرهما في هذه الاية بعد حلفهما بالله : لا نشتري بأيماننا ثمنا ، ولو كان ذا قُربى ، ولا نكتم شهادة الله على أنهما استحقا إثما ، يقول : على أنهما استوجبا بأيمانهما التي حلفا بها إثما ، وذلك أن يطلع على أنهما كانا كاذبين في أيمانهما بالله ما خنّا ، ولا بدّلنا ، ولا غَيّرنا ، فإن وجدا قد خانا من مال الميت شيئا ، أو غَيّرا وصيته ، أو بدّلا ، فأثما بذلك من حلفهما بربهما فَآخَرَانِ يَقُومانِ مَقامَهُما يقول : يقوم حينئذٍ مقامهما من ورثة الميت الأوليان الموصى إليهما .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير : " أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ " قال : إذا كان الرجل بأرض الشرك فأوصى إلى رجلين من أهل الكتاب ، فإنهما يحلفان بعد العصر ، فإذا اطلع عليهما بعد حلفهما أنهما خانا شيئا ، حَلَف أولياء الميت إنه كان كذا وكذا ، ثم استحقّوا .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، بمثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، في قوله : " أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ " من غير المسلمين تحبسونهما من بعد الصلاة ، فإن ارتِيبَ في شهادتهما ، استحلفا بعد الصلاة بالله : ما اشترينا بشهادتنا ثمنا قليلاً فإن اطلع الأولياء على أن الكافِرَين كذبا في شهادتهما ، قام رجلان من الأولياء فحلفا بالله : إن شهادة الكافرين باطلة ، وإنا لم نَعْتَدِ فذلك قوله : " فإنْ عُثِرَ على أنّهُما اسْتَحَقّا إثْما " يقول : إن اطلع على أن الكافرين كذبا ، " فَآخَرَانِ يَقُومانِ مَقامَهُما " يقول : من الأولياء ، فحلفا بالله : إن شهادة الكافرين باطلة ، وإنّا لم نعتد . فتردّ شهادة الكافرين ، وتجوز شهادة الأولياء .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فإنْ عُثِرَ على أنّهُما اسْتَحَقّا إثْما " أي اطلع منهما على خيانة أنهما كذبا أو كتما .
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي له حكم الله تعالى ذكره على الشاهدين بالأيمان فنقلها إلى الاخرين بعد أن عُثِر عليهما أنهما استحقا إثما . فقال بعضهم : إنما ألزمهما اليمين إذا ارتيب في شهادتهما على الميت في وصيته أنه أوصى لغير الذي يجوز في حكم الإسلام ، وذلك أن يشهد أنه أوصى بماله كله ، أو أوصى أن يفضّل بعض ولده ببعض ماله .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ . . . إلى قوله : ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ من أهل الإسلام ، أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ من غير أهل الإسلام ، إنْ أنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ . . . إلى : فَيُقْسِمانِ باللّهِ " يقول : فيحلفان بالله بعد الصلاة ، فإن حلفا على شيء يخالف ما أنزل الله تعالى من الفريضة ، يعني اللّذَينِ ليسا من أهل الإسلام ، فآخران يقومان مقامهما من أولياء الميت ، فيحلفان بالله : ما كان صاحبنا ليوصِيَ بهذا ، أو : إنهما لكاذبان ، ولشهادتنا أحقّ من شهادتهما .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : يوقف الرجلان بعد صلاتهما في دينهما ، يحلفان بالله : لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قُربى ولا نكتم شهادة الله ، إنّا إذن لمن الاثمين إن صاحبكم لبهذا أوصى ، وإن هذه لتركته فإذا شهدا ، وأجاز الإمام شهادتهما على ما شهدا ، قال لأولياء الرجل : اذهبوا فاضربوا في الأرض واسألوا عنهما ، فإن أنتم وجدتم عليهما خيانة أو أحدا يطعن عليهما رددنا شهادتهما فينطلق الأولياء فيسألون ، فإن وجدوا أحدا يطعنُ عليهما أو هما غير مرضيين عندهم ، أو اطّلع على أنهما خانا شيئا من المال وجدوه عندهما ، فأقبل الأولياء فشهدوا عند الإمام وحلفوا بالله : لشهادتنا إنهما لخائنان متهمان في دينهما مطعون عليهما أحقّ من شهادتهما بما شهدا ، وما اعتدينا . فذلك قوله : " فإنْ عُثرَ على أنّهُما اسْتَحَقّا إثْما فَآخَرَانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الّذِينَ اسْتَحَقّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيانِ " .
وقال آخرون : بل إنما ألزم الشاهدان اليمين ، لأنهما ادّعيا أنه أوصى لهما ببعض المال . وإنما ينقل إلى الاخرين من أجل ذلك إذا ارتابوا بدعواهما .
حدثنا عمران بن موسى القزّاز ، قال : حدثنا عبد الوارث بن سعد ، قال : حدثنا إسحاق بن سويد ، عن يحيى بن يعمر في قوله : " تحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصّلاةِ فَيُقْسِمانِ باللّهِ " قال : زعما أنه أوصى لهما بكذا وكذا ، " فإنْ عُثِرَ على أنّهُما اسْتَحَقّا إثْما أي بدعواهما لأنفسهما ، فَآخَرَانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الّذِينَ اسْتَحَقّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيانِ " أنّ صاحبنا لم يوص إليكما بشيء مما تقولان .
والصواب من القول في ذلك عندنا ، أن الشاهدين ألزما اليمين في ذلك باتهام ورثة الميت إياهما فيما دفع إليهما الميت من ماله ، ودعواهم قبلها خيانة مال معلوم المبلغ ، ونقلت بعد إلى الورثة عند ظهور الريبة التي كانت من الورثة فيهما ، وصحة التهمة عليهما بشهادة شاهد عليهما أو على أحدهما ، فيحلف الوارث حينئذٍ مع شهادة الشاهد عليهما أو على أحدهما إنما صحح دعواه إذا حقق حقه ، أو الإقرار يكون من الشهود ببعض ما ادّعى عليهما الوارث أو بجميعه ، ثم دعواهما في الذي أقرّا به من مال الميت ما لا يقبل فيه دعواهما إلاّ ببينة ، ثم لا يكون لهما على دعواهما تلك بينة ، فينقل حينئذٍ اليمين إلى أولياء الميت .
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصحة ، لأنا لا نعلم من أحكام الإسلام حكما يجب فيه اليمين على الشهود ارتيب بشهادتهما أو لم يرتب بها ، فيكون الحكم في هذه الشهادة نظيرا لذلك . ولم نجد ذلك كذلك صحّ بخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا بإجماع من الأمة ، لأن استحلاف الشهود في هذا الموضع من حكم الله تعالى ، فيكون أصلاً مسلما . والمقول إذا خرج من أن يكون أصلاً أو نظيرا لأصل فيما تنازعت فيه الأمة ، كان واضحا فساده . وإذا فسد هذا القول بما ذكرناه ، فالقول بأن الشاهدين استحلفا من أجل أنهما ادّعيا على الميت وصية لهما بمال من ماله أفسد من أجل أن أهل العلم لا خلاف بينهم في أن من حكم الله تعالى أن مدّعيا لو ادّعى في مال ميت وصية أن القول قول ورثة المدّعي في ماله الوصية مع أيمانهم ، دون قول مدّعي ذلك مع يمينه ، وذلك إذا لم يكن للمدّعي بينة . وقد جعل الله تعالى اليمين في هذه الاية على الشهود إذا ارتيب بهما ، وإنما نقل الإيمان عنهم إلى أولياء الميت ، إذا عُثِر على أن الشهود استحقوا إثما في أيمانهم فمعلوم بذلك فساد قول من قال : ألزم اليمين الشهود لدعواهم لأنفسهم وصية أوصى بها لهم الميت في ماله ، على أن ما قلنا في ذلك عن أهل التأويل هو التأويل الذي وردت به الأخبار عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به حين نزلت هذه الاية بين الذين نزلت فيهم وبسببهم . ذكر من قال ذلك :
حدثني ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن يحيى بن أبي زائدة ، عن محمد بن أبي القاسم ، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : خرج رجل من بني سهم مع تميم الدارّي وعديّ بن بداء ، فمات السهميّ بأرض ليس فيها مسلم ، فلما قدما بتركته ، فقدوا جاما من فضة مخوّصا بالذهب ، فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم وُجد الجام بمكة ، فقالوا : اشتريناه من تميم الداريّ وعديّ بن بداء . فقام رجلان من أولياء السهميّ فحلفا : لشهادتنا أحقّ من شهادتهما ، وأن الجام لصاحبهم . قال : وفيهم أنزلت : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ " .
حدثنا الحسن بن أبي شعيب الحراني ، قال : حدثنا محمد بن سلمة الحراني ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن أبي النضر ، عن زاذان مولى أمّ هانئ ابنة أبي طالب ، عن ابن عباس ، عن تمم الدرايّ في هذه الاية : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أحدَكُمُ المَوْتُ " قال : برئ الناس منها غيري وغير عديّ بن بداء ، وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام ، فأتيا الشام لتجارتهما ، وقدم عليهما مولى لبني سهم ، يقال له بديل بن أبي مريم بتجارة ، ومعه جام فضة يريد بن الملك ، وهو عظم تجارته ، فمرض ، فأوصى إليهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله . قال تميم : فلما مات ، أخذنا ذلك الجام ، فبعناه بألف درهم فقسمناه أنا وعديّ بن بداء ، ( فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا ، وفقدوا الجام فسألونا عنه ) فقلنا : ما ترك غير هذا ، وما دفع إلينا غيره . قال تميم : فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة تأثمت من ذلك ، فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر ، وأدّيت إليهم خمسمائة درهم ، وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها ، فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألهم البينة فلم يجدوا ، فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه ، فحلف ، فأنزل الله تعالى : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ . . . إلى قوله : أنْ تُرّدّ أيمَانٌ بَعْدَ أيمانِهِمْ " فقام عمرو بن العاص ، ورحل آخر منهم ، فحلفا ، فنزعت الخمسمائة من عديّ بن بداء .
حدثنا القاسم : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة وابن سيرين وغيره . قال : وثنا الحجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ، دخل حديث بعضهم في بعض : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ . . . " الاية ، قال : كان عديّ وتميم الداريّ وهما من لخم نصرانيان يتجران إلى مكة في الجاهلية . فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حوّلا متجرهما إلى المدينة ، فقدم ابن أبي مارية مولى عمرو بن العاص المدينة ، وهو يريد الشام تاجرا . فخرجوا جميعا ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق مرض ابن أبي مارية ، فكتب وصيته بيده ثم دسّها في متاعه ، ثم أوصى إليهما . فلما مات ، فتحا متاعه ، فأخذا ما أرادا . ثم قدما على أهله فدفعا ما أرادا ، ففتح أهله متاعه ، فوجدوا كتابه وعهده وما خرج به ، وفقدوا شيئا فسألوهما عنه ، فقالوا : هذا الذي قبضنا له ودفع إلينا قال لهما أهله : فباع شيئا أو ابتاعه ؟ قالا : لا . قالوا : فهل استهلك من متاعه شيئا ؟ قالا : لا . قالوا : فهل تَجرَ تجارة ؟ قالا : لا . قالوا : فإنا قد فقدنا بعضه فاتهما ، فرفعوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الاية : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أحدَكُمُ المَوْتُ . . . إلى قوله : إنّا إذًا لَمِنَ الاثِمِينَ " قال : فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستحلفوهما في دبر صلاة العصر : بالله الذي لا إله إلاّ هو ، ما قبضنا له غير هذا ولا كتمنا ، قال : فمكثنا ما شاء الله أن نمكث ، ثم ظهر معهما على إناء من فضة منقوش مموّه بذهب ، فقال أهله : هذا من متاعه ، قالا : نعم ، ولكنا اشتريناه منه ونسينا أن نذكره حين حلفنا ، فكرهنا أن نكذّب أنفسنا فترافعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت الاية الأخرى : " فإن عُثِرَ على أنّهُما اسْتَحَقّا إثْما فَآخَرَانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الّذِينَ اسْتَحَقّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيانِ " فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من أهل الميت أن يحلفا على ما كتما وغَيّبا ويستحقانه . ثم إن تميما الداريّ أسلم وبايع النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وكان يقول : صدق الله ورسوله ، أنا أخذت الإناء .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ حِينَ الوَصِيّةِ اثْنانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ . . . " الاية كلها ، قال : هذا شيء حين لم يكن الإسلام إلاّ بالمدينة ، وكانت الأرض كلها كفرا ، فقال الله تعالى : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ حِينَ الوَصِيّةِ اثْنانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ من المسلمين ، أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ من غير أهل الإسلام ، إنْ أنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَأصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ المَوْتِ " قال : كان الرجل يخرج مسافرا والعرب أهل كفر ، فعسى أن يموت في سفره فيسند وصيته إلى رجلين منهم ، فيقسمان بالله إن ارتبتم في أمرهما إذا قال الورثة : كان مع صاحبنا كذا وكذا ، فيقسمان بالله : ما كان معه إلاّ هذا الذي قلنا . فإنْ عُثِرَ على أنّهُما اسْتَحَقّا إثْما إنما حلفا على باطل وكذب . فَآخَرَانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الّذِينَ اسْتَحَقّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيانِ بالميت فَيُقْسِمانِ باللّهِ لَشَهادَتَنَا أحَقّ مِنْ شَهادَتِهِما وَما اعْتَدَيْنا إنّا إذا لَمِنَ الظّالِمِينَ ذكرنا أنه كان مع صاحبنا كذا وكذا ، قال هؤلاء : لم يكن معه . قال : ثم عثر على بعض المتاع عندهما ، فلما عثر على ذلك ردّت القَسَامة على وارثه ، فأقسما ، ثم ضمن هذان . قال الله تعالى : " ذَلِكَ أدْنَى أنْ يَأْتُوا بالشّهادَةِ على وَجْهِها أوْ يَخافُوا أنْ تُرَدّ أيمَانٌ فتبطل أيمانُهم ، وَاتّقُوا اللّهَ وَاسْمَعوا وَاللّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفاسِقِينَ " الكاذبين الذين يحلفون على الكذب . وقال ابن زيد : قدم تميم الداريّ وصاحب له ، وكانا يومئذٍ مشركين ولم يكونا أسلما ، فأخبرا أنهما أوصى إليهما رجل ، وجاءا بتركته ، فقال أولياء الميت : كان مع صاحبنا كذا وكذا ، وكان معه إبريق فضة وقال الاخران : لم يكن معه إلاّ الذي جئنا به . فحلفا خلف الصلاة . ثم عثر عليهما بعد والإبريق معهما فلما عثر عليهما ردّت القسامة على أولياء الميت بالذي قالوا مع صاحبهم ، ثم ضمنها الذي حلف ليه الأوليان .
حدثنا الربيع ، قال : حدثنا الشافعيّ ، قال : أخبرنا سعيد بن معاذ بن موسى الجعفريّ ، عن بكير بن معروف ، عن مقاتل بن حيان ، قال بكر : قال مقاتل : أخذت هذا التفسير عن مجاهد والحسن والضحاك في قول الله : " اثْنانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ " أن رجلين نصرانيين من أهل دَارِين ، أحدهما تميمي والاخر يماني ، صاحبَهما مولى لقريش في تجارة ، فركبوا البحر ومع القرشيّ مال معلوم قد علمه أولياؤه من بين آنية وبز ورِقَة . فمرض القرشيّ ، فجعل وصيته إلى الداريّين ، فمات . وقبض الداريان المال والوصية ، فدفعاه إلى أولياء الميت ، وجاءا ببعض ماله . وأنكر القوم قلة المال ، فقالوا للداريّين : إن صاحبنا قد خرج معه بمال أكثر مما اتيتمونا به ، فهل باع شيئا أو اشترى شيئا فوُضِعَ فيه ؟ أو هل طال مرضه فأنفق على نفسه ؟ قالا : لا . قالوا : فإنكما خنتمانا فقبضوا المال ورفعوا أمرهما إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ . . . " إلى آخر الاية . فلما نزل : أن يُحبسا من بعد الصلاة ، أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم فقاما بعد الصلاة ، فحلفا بالله ربّ السموات ما ترك مولاكم من المال إلاّ ما أتيناكم به ، وإنا لا نشتري بأيماننا ثمنا قليلاً من الدنيا ولو كان ذا قُربى ، ولا نكتم شهادة الله ، إنّا إذن لمن الاثمين فلما حلفا خُلّي سبيلهما . ثم إنهم وجدوا بعد ذلك إناء من آنية الميت ، فأُخِذ الداريان فقالا : اشتريناه منه في حياته وكذبا ، فكُلّفا البينة فلم يقدرا عليها . فرفعوا ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى : " فإن عُثِرَ " يقول : فإن اطّلع على أنهما استحقا إثما ، يعني الداريّين إن كَتَما حقّا ، فآخران من أولياء الميت يقومان مقامهما من الذين استحقّ عليهم الأوليان ، فيقسمان بالله إن مال صاحبنا كان كذا وكذا ، وإن الذي يُطْلَب قِبَل الداريّين لحقّ ، وما اعتدينا ، إنّا إذن لمن الظالمين . هذا قول الشاهدين أولياء الميت ، ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ، يعني : الداريين والناس أن يعودوا لمثل ذلك .
قال أبو جعفر : ففيما ذكرنا من هذه الأخبار التي روينا دليل واضح على صحة ما قلنا من أن حكم الله تعالى باليمين على الشاهدين في هذا الموضع ، إنما هو من أجل دعوى ورثته على المسنَد إليهما الوصية خيانة فيما دفع الميت من ماله إليهما ، أو غير ذلك مما لا يبرأ فيها المدّعي ذلك قبله إلاّ بيمين ، وإن نقل اليمين إلى ورثة الميت ، بما أوجبه الله تعالى بعد أن عثر على الشاهدين أنهما استحقّا إثما في أيمانهما ، ثم ظُهِر على كذبهما فيها ، إنّ القوم ادّعوا فيما صحّ أنه كان للميت دعوى من انتقال ملك عنه إليهما ببعض ما تزول به الأملاك ، مما يكون اليمين فيها على ورثة الميت دون المدّعَى ، وتكون البينة فيها على المدعي وفساد ما خالف في هذه الاية ما قلنا من التأويل . وفيها أيضا البيان الواضح على أن معنى الشهادة التي ذكرها الله تعالى في أوّل هذه القصة إنما هي اليمين ، كما قال الله تعالى في مواضع أخر : " والّذِينَ يَرْمونَ أَزْوَاجَهُمْ ولَمْ يكُنْ لهُمْ شُهَدَاءُ إلاّ أنْفُسُهُمْ فشَهادَةُ أحَدِهِمْ أرْبَعُ شَهاداتٍ باللّهِ إنّهُ لمِنَ الصّادقينَ " ، فالشهادة في هذا الموضع معناها القسم من قول القائل : أشهد بالله إنه لمن الصادقين ، وكذلك معنى قوله : " شَهادَةُ بَيْنِكُمْ " إنما هو قَسَم بينكم ، " إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ حِينَ الوَصِيّةِ " أن يقسم اثْنان ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ إن كانا ائتمنا على ما قال ، فارتيب بهما ، أو ائتمن آخران من غير المؤمنين فاتهما . وذلك أن الله تعالى لمّا ذكر نقل اليمين من اللذين ظهر على خيانتهما إلى الاخرين ، قال : فَيُقْسِمانِ باللّهِ لَشَهادَتُنا أحَقّ مِنْ شَهادَتِهِما . ومعلوم أن أولياء الميت المدّعين قِبَل اللذين ظهر على خيانتهما ، غير جائز أن يكون شهداء بمعنى الشهادة التي يؤخذ بها في الحكم حقّ مدّعى عليه لمدّع ، لأنه لا يعلم لله تعالى حكم قضى فيه لأحد بدعواه ، ويمينه على مدّعًى عليه بغير بينة ولا إقرار من المدّعى عليه ولا برهان . فإذا كان معلوما أن قوله : لشَهادَتُنا أحَقّ مِنْ شَهادَتِهِما إنما معناه : قسمنا أحقّ من قسمهما ، وكان قسم اللذين عثر على أنهما أثما هو الشهادة التي ذكر الله تعالى في قوله : " أحَقّ مِنْ شَهادَتِهِما " صح أن معنى قوله : " شَهادَةِ بَيْنِكُمْ " بمعنى الشهادة في قوله : " لَشَهادَتُنا أحَقّ مِنْ شَهادَتِهِما " وأنها بمعنى القسم .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله : " مِنَ الّذِينَ اسْتَحَقّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيانِ " فقرأ ذلك قرّاء الحجاز والعراق والشام : «مِنَ الّذِينَ اسْتُحِقّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيانِ » بضم التاء . ورُوِي عن عليّ وأبي بن كعب والحسن البصري أنهم قرأوا ذلك : " مِنَ الّذِينَ اسْتَحَقّ عَلَيْهِمُ " بفتح التاء .
واختلفت أيضا في قراءة قوله : " الأوْلَيانِ " فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة والشام والبصرة : الأوْلَيانِ ، وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة : «الأولين » . وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك : «مِنَ الّذِينَ اسْتَحَقّ عَلَيْهِمُ الأَوّلانِ » .
وأولى القراءتين بالصواب في قوله : «مِنَ الّذِينَ اسْتُحِقّ عَلَيْهِم » قراءة من قرأ بضمّ التاء ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه ، مع مساعدة عامّة أهل التأويل على صحة تأويله ، وذلك إجماع عامتهم على أن تأويله : فآخران من أهل الميت الذين استحقّ المؤتمنان على مال الميت الإثم فيهم ، يقومان مقام المستحقّ الإثم فيهما بخيانتهما ما خانا من مال الميت . وقد ذكرنا قائل ذلك أو أكثر قائليه فيما مضى قبل ، ونحن ذاكروا باقيهم إن شاء الله تعالى ذلك .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى : " شَهادَةُ بَيْنِكُمْ " أن يموت المؤمن فيحضر موته مسلمان أو كافران لا يحضره غير اثنين منهم ، فإن رضي ورثته ما عاجل عليه من تركته فذاك ، وحلف الشاهدان إن اتهما لصادقان ، فإن عُثِر : وُجِد لطخ حلف الاثنان الأوليان من الورثة ، فاستحقا ، وأبطلا أيمان الشاهدين .
وأحسب أن الذين قرأوا ذلك بفتح التاء ، أرادوا أن يوجهوا تأويله إلى : فَآخران يقومان مقامهما مقام المؤتمنين اللذين عثر على خيانتهما في القسم والاستحقاق به عليهما دعواهما قبلهما من الذين استحقّ على المؤتمنين على المال على خيانتهما القيام مقامهما في القسم والاستحقاق في الأوليان بالميت . وكذلك كانت قراءة من رُوِيت هذه القراءة عنه ، فقرأ ذلك : " مِنَ الّذِينَ استَحَقّ " بفتح التاء على معنى : الأوليان بالميت وماله . وذلك مذهب صحيح وقراءة غير مدفوعة صحتها ، غير أنا نختار الأخرى لإجماع الحجة من القرّاء عليها مع موافقتها التأويل الذي ذكرنا عن الصحابة والتابعين .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبد الرحمن وكريب عن عليّ ، أنه كان يقرأ : «مِنَ الّذِينَ اسْتُحِقّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيانِ » .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا مالك بن إسماعيل ، عن حماد بن زيد ، عن وائل مولى أبي عبيد ، عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر ، عن أبيّ بن كعب ، أنه كان يقرأ : «مِنَ الّذِينَ اسْتُحِقّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيانِ » .
وأما أولى القراءات بالصواب في قوله : الأَوْلَيانِ عندي ، فقراءة من قرأ : الأوْلَيانِ بصحة معناها وذلك لأن معنى : فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق فيهم الإثم ، ثم حذف «الإثم » وأقيم مقامه «الأوليان » ، لأنهما هما اللذان ظلما وأثما فيهما بما كان من خيانة اللذين استحقا الإثم وعثر عليهما بالخيانة منهما فيما كان ائتمنهما عليه الميت ، كما قد بينا فيما مضى من فعل العرب مثل ذلك من حذفهم الفعل اجتزاء بالاسم ، وحذفهم الاسم اجتزاء بالفعل . ومن ذلك ما قد ذكرنا في تأويل هذه القصة ، وهو قوله : " شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ حِينَ الوَصِيّةِ اثْنانِ " ومعناه : أن يشهد اثنان ، وكما قال : فَيُقْسِمان باللّهِ إنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي به ثَمَنا فقال «به » ، فعاد بالهاء على اسم «الله » وإنما المعنى : لا نشتري بقسمنا بالله ، فاجتزئ بالعود على اسم الله بالذكر ، والمراد به : لا نشتري بالقسم بالله استغناء بفهم السامع بمعناه عن ذكر اسم القسم . وكذلك اجتزئ بذكر الأوليين من ذكر الإثم الذي استحقه الخائنان لخيانتهما إياها ، إذ كان قد جرى ذكر ذلك بما أغنى السامع عند سماعه إياه عن إعادته ، وذلك قوله : " فإنْ عُثِرَ على أنّهُما اسْتَحَقّا إثْما " . وأما الذين قرأوا ذلك «الأوّلين » فإنهم قصدوا في معناه إلى الترجمة به عن «الذين » ، فأخرجوا ذلك على وجه الجمع ، إذ كان «الذين » جمعا وخفضا ، إذ كان «الذين » مخفوضا . وذلك وجه من التأويل ، غير أنه إنما يقال للشيء أوّل إذا كان له آخر هو له أوّل ، وليس للذين استحقّ عليهم الإثم آخرهم له أوّل ، بل كانت أيمان الذين عثر على أنهما استحقا إثما قبل إيمانهم ، فهم إلى أن يكونوا إذ كانت أيمانهم آخرا أولى أن يكونوا آخرين من أن يكونوا أوّلين وأيمانهم آخرة لأولى قبلها . وأما القراءة التي حكيت عن الحسن ، فقراءة عن قراءة الحجة من القرّاء شاذّة ، وكفى بشذوذها عن قراءتهم دليلاً على بعدها من الصواب .
واختلف أهل العربية في الرافع لقوله : الأوْلَيانِ إذا قرئ كذلك ، فقال بعض نحويي البصرة : يزعم أنه رفع ذلك بدلاً من «آخران » في قوله : " فآخَرَانِ يَقومانِ مَقامَهُما " وقال : إنما جاز أن يبدل الأوليان وهو معرفة من آخران وهو نكرة ، لأنه حين قال : " يَقُومانِ مَقامهمَا مِنَ الّذِينَ اسْتحقّ عَلَيْهِم " كان كأنه قد حدّهما حتى صارا كالمعرفة في المعنى ، فقال : «الأوْلَيانِ » ، فأجرى المعرفة عليهما بدلاً . قال : ومثل هذا مما يجري على المعنى كثير . واستشهد لصحة قوله ذلك بقول الراجز :
عَلَيّ يوْمَ يمْلِكُ الأمُورَا ***صَوْمَ شُهورٍ وَجَبتْ نُذورَا
***وبَادِنا مُقَلّدا مَنْحورَا ***
قال : فجعله «عليّ واجب » ، لأنه في المعنى قد أوجب .
وكان بعض نحويي الكوفة ينكر ذلك ويقول : لا يجوز أن يكون «الأوليان » بدلاً من «آخران » من أجل أنه قد نَسَق «فيقسمان » على «يقومان » في قوله : " فَآخَرَانِ يَقُومانِ " فلم يتمّ الخبر عند من قال : لا يجوز الإبدال قبل إتمام الخبر ، كما قال : غير جائز «مررت برجل قام زيد وقعد » وزيد بدل من رجل .
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : «الأوليان » مرفوعان بما لم يسمّ فاعله ، وهو قوله : «اسْتُحِقّ عَلَيْهِم » وأنهما موضع الخبر عنهما ، فعمل فيهما ما كان عاملاً في الخبر عنهما وذلك أن معنى الكلام : فآخران يقومان مقامهما من الذين استحقّ عليهم الإثم بالخيانة ، فوضع «الأوليان » موضع «الإثم » كما قال تعالى في موضع آخر : " أجَعَلْتُمْ سقايَةَ الحاجّ وعِمارَةَ المَسْجِدِ الحَرَام كمَنْ آمَنَ باللّهِ واليَوْمِ الاَخِرِ " ومعناه : أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كإيمان من آمن بالله واليوم الاخر ؟ وكما قال : " وأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ العِجْلَ بِكُفْرِهِمْ " ، وكما قال بعض الهذليين :
يُمَشّي بَيْنَنا حانُوتُ خَمْرٍ ***مِنَ الخُرْسِ الصّرَاصِرَةِ القِطاطِ
وهو يعني صاحب حانوت خمر ، فأقام الحانوت مقامه لأنه معلوم أن الحانوت لا يمشي ، ولكن لما كان معلوما عنده أنه لا يخفى على سامعه ما قصد إليه من معناه حذف الصاحب ، واجتزأ بذكر الحانوت منه ، فكذلك قوله : «مِنَ الّذِينَ اسْتُحِقّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيانِ » إنما هو من الذين استحقّ فيهم خيانتهما ، فحذفت «الخيانة » وأقيم «المختانان » مقامها ، فعمل فيهما ما كان يعمل في المحذوف ولو ظهر . وأما قوله : «عليهم » في هذا الموضع ، فإن معناها : فيهم ، كما قال تعالى : " وَاتّبَعُوا ما تَتْلُوا الشّياطِينُ على مُلْكِ سُلَيْمانَ " يعني : في ملك سليمان ، وكما قال : " ولأُصَلّبَنّكُمْ فِي جُذُوعِ النّخْلِ " ف «في » توضع موضع «على » ، و «على » في موضع «في » كل واحدة منهما تعاقب صاحبتها في الكلام ، ومنه قول الشاعر :
مَتَى ما تُنْكِرُوها تَعْرِفُوها ***على أقْطارِها عَلَقٌ نَفِيثُ
وقد تأوّلت جماعة من أهل التأويل قول الله تعالى : «فإنْ عُثَر على أنّهُما اسْتَحَقّا إثْما فَآخَرَانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الّذِينَ اسْتُحِقّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيانِ » أنهما رجلان آخران من المسلمين ، أو رجلان أعدل من المُقسِمَين الأوّلين .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود بن أبي هند ، عن عامر ، عن شريح في هذه الاية : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ حِينَ الوَصِيّة اثْنانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ " قال : إذا كان الرجل بأرض غُرْبة ، ولم يجد مسلما يشهده على وصيته ، فأشهد يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا ، فشهادتهم جائزة . فإن جاء رجلان مسلمان ، فشهدا بخلاف شهادتهم ، أجيزت شهادة المسلمين وأبطلت شهادة الاخرين .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : فإنْ عُثِرَ أي اطلع منهما على خيانة على أنهما كذبا أو كتما ، فشهد رجلان هما أعدل منهما بخلاف ما قالا ، أجيزت شهادة الاخرين وأبطلت شهادة الأوّلين .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن عبد الملك ، عن عطاء ، قال : كان ابن عباس يقرأ : «مِنَ الّذِينَ اسْتُحِقّ عَلَيْهِمُ الأوّلَيْنِ » قال : كيف يكون «الأَوْلَيان » ، أرأيت لو كان الأوليان صغيرين ؟
حدثنا هناد وابن وكيع ، قال : حدثنا عبدة ، عن عبد الملك ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : كان يقرأ : «مِنَ الّذِينَ اسْتُحِقّ عَلَيْهِمُ الأوّلَيْنِ » قال : وقال : أرأيت لو كان الأوليان صغيرين ، كيف يقومان مقامهما ؟
قال الإمام أبو جعفر : فذهب ابن عباس فيما أرى إلى نحو القول الذي حكيت عن شريح وقتادة ، من أن ذلك رجلان آخران من المسلمين يقومان مقام النصرانِييّن ، أو عَدْلان من المسلمين هما أعدل وأجوز شهادة من الشاهدين الأوّلين أو المُقسِمَين . وفي إجماع جميع أهل العلم على أن لا حكم لله تعالى يجب فيه على شاهد يمين فيما قام به من الشهادة ، دليل واضح على أن غير هذا التأويل الذي قاله الحسن ومن قال بقوله في قول الله تعالى : " فَآخَرَانِ يَقُومانِ مَقامَهُما " أولى به .
وأما قوله " الأوْلَيانِ " فإن معناه عندنا : الأولى بالميت من المقسمين الأوّلين فالأولى ، وقد يحتمل أن يكون معناه : الأولى باليمين منهما فالأولى ، ثم حذف «منهما » والعرب تفعل ذلك فتقول : فلان أفضل ، وهي تريد أفضل منك ، وذلك إذا وضع أفعل موضع الخبر . وإن وقع موقع الاسم وأدخلت فيه الألف واللام ، فعلوا ذلك أيضا إذا كان جوابا لكلام قد مضى ، فقالوا : هذا الأفضل ، وهذا الأشرف يريدون هو الأشرف منك . وقال ابن زيد : معنى ذلك : الأوليان بالميت .
حدثني يونس ، عن ابن وهب ، عنه .
القول في تأويل قوله تعالى : " فَيُقْسِمانِ باللّهِ لَشَهادَتُنا أحَقّ مِنْ شَهادتِهِم وَما اعْتَدَيْنا إنّا إذَنْ لَمِنَ الظّالِمِينَ " .
يقول تعالى ذكره : فيُقسم الاخران اللذان يقومان مقام اللذين عثر على أنهما استحقا إثما بخيانتهما مال الميت الأوليان باليمين والميت من الخائنين : " لَشَهادَتُنا أحَقّ مِنْ شَهادَتِهِما " يقول : لأيماننا أحقّ من أيمان المقسمين المستحقين الإثم وأيمانهما الكاذبة في أنهما قد خانا في كذا وكذا من مال ميتنا ، وكذا في أيمانهما التي حلفا بها . وَما اعْتَدَيْنا يقول : وما تجاوزنا الحقّ في أيماننا . وقد بينا أن معنى الاعتداء : المجاوزة في الشيء حدّه . " إنّا إذَنْ لَمِنَ الظّالِمِينَ " يقول : إنا إن كنا اعتدينا في أيماننا ، فحلفنا مبطلين فيها كاذبين ، " لمِنَ الظّالِمِينَ " يقول : لَمِنْ عِدَادِ مَنْ يأخذ ما ليس له أخذه ، ويقتطع بأيمانه الفاجرة أموال الناس .
وقوله تعالى : { فإن عثر } استعارة لما يوقع على علمه بعد خفائه اتفاقاً وبعد أن لم ُيرَج ولم يقصد ، وهذا كما يقال : على الخبير سقطت ، ووقعت على كذا ، قال أبو علي : والإثم هنا اسم الشيء المأخوذ لأن آخذه يأخذه إثم ، فسمي آثماً كما سمي ما يؤخذ بغير حق مظلمة ، قال سيبويه : المظلمة اسم ما أخذ منك ، وكذلك سمي هذا المأخوذ باسم المصدر .
قال القاضي أبو محمد : والذي يظهر هنا أن الإثم عل بابه وهو الحكم اللاحق لهما والنسبة التي يتحصلان فيها بعد مواقعتها لتحريف الشهادة أو لأخذ ما ليس لهما أو نحو ذلك ، و { استحقا } معناه استوجباه من الله وكانا أهلاً له فهذا استحقاق على بابه ، أنه استيجاب حقيقة ، ولو كان الإثم الشيء المأخوذ لم يقل فيه «استحقا » لأنهما ظلما وخانا فيه ، فإنما استحقا منزلة السوء وحكم العصيان ، وذلك هو الإثم ، وقوله تعالى : { فآخران } أي فإذا عثر على فسادهما فالأوليان باليمين وإقامة القضية آخران من القوم الذين هم ولاة الميت واستحق عليهم حظهم أو ظهورهم أو مالهم أو ما شئت من هذه التقديرات ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي «استُحق » مضمومة التاء . و { الأوليان } على التثنية لأولى وروى قرة عن ابن كثير «استَحق » بفتح التاء «الأوليان » على التثنية وكذلك ورى حفص عن عاصم ، وقرأ حمزة وعاصم في رواية أبي بكر «استُحق » بضم التاء «الأَّوَلين » على جمع أول ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «استَحق » بفتح التاء «الأولان » على تثنية أول ، وقرأ ابن سيرين «الأولين » على تثنية أول ، ونصبهما على تقدير الأولين ، فالأولين في الرتبة والقربى{[4781]} .
قال أبو علي في قراءة ابن كثير ومن معه{[4782]} : لا يخلو ارتفاع الأوليان من أن يكون على الابتداء وقد أخر فكأنه في التقدير و «الأوليان » بأمر الميت آخران يقومان ، أو يكون بدلاً من الضمير الذي في يقومان ، أو يكون مسنداً إليه استحق ، وأجاز أبو الحسن فيه شيئاً آخر ، وهو أن يكون «الأوليان » صفة ل «آخران » ، لأنه لما وصف خصص ، فوصف من أجل الاختصاص الذي صار له{[4783]} .
قال القاضي أبو محمد : ثم قال أبو علي بعد كلامه هذا : فأما ما يسند إليه «استحق » فلا يخلو من أن يكون الأنصباء أو الوصية ، أو الإثم . وسمي المأخوذ إثماً كما يقال لما يؤخذ من المظلوم مظلمة . ولذلك جاز أن يستند إليه { استحق } ثم قال بعد كلام : فإن قلت هل يجوز أن يسند { استحق } إلى { الأوليان } ؟ . فالقول إن ذلك لا يجوز لأن المستحق إنما يكون الوصية أو شيئاً منها ، وأما الأوليان بالميت فلا يجوز أن يستحقا فيسند استحق إليهما .
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا الكلام نظر . ويجوز عندي أن يسند { استحق } إلى { الأوليان } . وذلك أن أبا علي حمل لفظة الاستحقاق على أنه حقيقي فلم يجوزه إلا حيث يصح الاستحقاق الحقيقي في النازلة ، وإنما يستحق حقيقة النصيب ونحوه ، ولفظة الاستحقاق في الآية إنما هي استعارة وليست بمعنى استحقا إثماً فإن الاستحقاق هنا حقيقة وفي قوله استحق مستعار ، لأنه لا وجه لهذا الاستحقاق إلا الغلبة على الحال بحكم انفراد هذا الميت وعدمه لقرابته أو لأهل دينه . فاستحق هنا كما تقول لظالم يظلمك هذا قد استحق علي مالي أو منزلي بظلمه فتشبهه بالمستحق حقيقة . إذ قد تسور تسوره وتملك تملكه . وكذلك يقال فلان قد استحق ومنه شغل كذا إذا كان ذلك الأمر قد غلبه على أوقاته ، وهكذا هي استحق في الآية على كل حال وإن أسندت إلى الأنصباء ونحوه لأن قوله { استحق } صلة ل { الذين } ، و { الذين } واقع على الصنف المناقض للشاهدين الجائرين ، فالشاهدان ما استحقا قط في هذه النازلة شيئاً حقيقة استحقاق ، وإنما تسورا تسور المستحق فلنا أن نقدر الأوليان ابتداء وقد أخر . فيسند { استحق } على هذا إلى المال أو النصيب ونحوه على جهة الاستعارة . وكذلك إذا كان { الأوليان } خبر ابتداء وكذلك على البدل من الضمير في { يقومان } وعلى الصفة على مذهب أبي الحسن . ولنا أن نقدر الكلام بمعنى من الجماعة التي غابت وكان حقها والمبتغى أن يحضر وليها ، فلما غابت وانفرد هذا الموصي استحقت هذا الحال وهذان الشاهدان من غير أهل الدين الولاية وأمر الأوليين على هذه الجماعة ، ثم بني الفعل للمفعول على هذا المعنى إيجازاً ويقوي هذا الغرض أن تعدي الفعل ب «على » لما كان باقتدار وحمل هيئته على الحال .
ولا يقال استحق منه أو فيه إلا في الاستحقاق الحقيقي على وجهه ، وأما استحق عليه فيقال في الحمل والغلبة والاستحقاق المستعار والضمير في { عليم } عائد على كل حال في هذه القراءة على الجماعة التي تناقض شاهدي الزور الآثمين ، ويحتمل أن يعود على الصنف الذين منهم شاهد الزور على ما نبينه الآن إن شاء الله في غير هذه القراءة وأما رواية قرة عن ابن كثير «استحق » بفتح التاء فيحتمل أن يكون الأوليان ابتداء أو خبر ابتداء ، ويكون المعنى في الجمع أو القبيل الذي استحق القضية على هذا الصنف الشاهد بالزور ، الضمير في عليهم عائد على صنف شاهدي الزور .
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وفي هذا التأويل تحويل وتحليق وصنعة في { الذين } ، وعليه ينبني كلام أبي علي في كتاب الحجة ، ويحتمل أن يكون المعنى من الذين استحق عليهم القيام ، والصواب من التأويلين أن الضمير في { عليهم } عائد على { الذين } ، و { الأوليان } رفع ب { استحق } وذلك متخرج على ثلاثة معان{[4784]} .
أحدها أن يكون المراد من الذين استحق عليهم مالهم وتركتهم شاهدا الزور . فسمى شاهدي الزور أوليين من حيث جعلتهما الحال الأولى كذلك ، أي صيرهم عدم الناس أولى بهذا الميت وتركته فجارا فيها ، والمعنى الثاني أن يكون المراد من الجماعة الذين حق عليهم أن يكون منهم الأوليان ، فاستحق بمعنى حق ووجب ، كما تقول هذا بناء قد استحق بمعنى حق كعجب واستعجب ونحوه ، والمعنى الثالث أن يجعل استحق بمعنى سعى واستوجب ، فكأن الكلام فآخران من القوم الذين حضر أوليان منهم فاستحقا عليهم حقهم ، أي استحقا لهم وسعيا فيه واستوجباه بأيمانهما وقرباهما ، ونحو هذا المعنى الذي يعطيه التعدي ب «على » قول الشاعر :
اسعى على حيِّ بني ملك *** كل امرىء في شأنه ساع{[4785]}
وكذلك في الحديث : «كنت أرعى عليهم الغنم » في بعض طرق حديث الثلاثة الذين ذكر أحدهم بره بأبويه حين انحطت عليهم الصخرة{[4786]} .
وأما قراءة حمزة{[4787]} فمعناها من القوم الذين استحق عليهم أمرهم أي غلبوا عليه ، ثم وصفهم بأنهم أولون أي في الذكر في هذه الآية ، وذلك في قوله { اثنان ذوا عدل منكم } ثم بعد ذلك قال { أو آخران من غيركم } وقوله تعالى : { فيقسمان بالله } يعني الآخرين اللذين يقومان مقام شاهدي التحريف ، وقولهما { لشهادتنا أحق من شهادتهما } أي لما أخبرنا نحن به وذكرناه من نص القضية أحق مما ذكراه أولاً ، وحرفا فيه ، وما اعتدينا نحن في قولنا هذا ولا زدنا على الحد ، وقولهما { إنا إذاً لمن الظالمين } في صيغة الاستعظام والاستقباح للظلم ، والظلم وضع الشيء في غير موضعه .