فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَإِنۡ عُثِرَ عَلَىٰٓ أَنَّهُمَا ٱسۡتَحَقَّآ إِثۡمٗا فَـَٔاخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتَحَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَوۡلَيَٰنِ فَيُقۡسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَٰدَتُنَآ أَحَقُّ مِن شَهَٰدَتِهِمَا وَمَا ٱعۡتَدَيۡنَآ إِنَّآ إِذٗا لَّمِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (107)

قوله : { فَإِنْ عُثِرَ على أَنَّهُمَا استحقا إِثْماً } عثر على كذا : اطلع عليه ، يقال عثرت منه على خيانة : أي اطلعت وأعثرت غيري عليه ، ومنه قوله تعالى : { وكذلك أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ } وأصل العثور الوقوع والسقوط على الشيء ، ومنه قول الأعشى :

بذات لوث عَفَرْنا إذ عثرت *** فالتعس أولى لها من أن أقول لعا

والمعنى : أنه إذا اطلع بعد التحليف على أن الشاهدين أو الوصيين استحقا إثماً ، أي استوجبا إثماً إما بكذب في الشهادة أو اليمين ، أو بظهور خيانة . قال أبو علي الفارسي : الإثم هنا اسم الشيء المأخوذ لأن آخذه يأثم بأخذه ، فسمي إثماً كما سمي ما يؤخذ بغير حق مظلمة . وقال سيبويه : المظلمة اسم ما أخذ منك فكذلك سمي هذا المأخوذ ، باسم المصدر . قوله : { فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا } أي فشاهدان آخران أو فحالفان آخران يقومان مقام اللذين عثر على أنهما استحقا إثماً فيشهدان أو يحلفان على ما هو الحق ، وليس المراد أنهما يقومان مقامهما في أداء الشهادة التي شهدها المستحقان للإثم .

قوله : { مِنَ الذين استحق عَلَيْهِمُ الأوليان } استحق مبنيّ للمفعول ، في قراءة الجمهور ، وقرأ عليّ وأُبيّ وابن عباس وحفص على البناء للفاعل ، و { الأوليان } على القراءة الأولى مرتفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي هما الأوليان ، كأنه قيل : من هما ؟ فقيل هما الأوليان . وقيل : هو بدل من الضمير في يقومان أو من آخران . وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة { الأولين } . جمع أول على أنه بدل من الذين ، أو من الهاء والميم في عليهم . وقرأ الحسن «الأولان » . والمعنى على بناء الفعل للمفعول من الذين استحق عليهم الإثم أي جنى عليهم ، وهم أهل الميت وعشيرته فإنهم أحق بالشهادة أو اليمين من غيرهم ، فالأوليان تثنية أولى .

والمعنى على قراءة البناء للفاعل : من الذين استحق عليهم الأوليان من بينهم بالشهادة أن يجردوهما للقيام بالشهادة . وقيل المفعول محذوف ، والتقدير : من الذين استحق عليهم الأوليان بالميت وصيته التي أوصى بها .

قوله : { فَيُقْسِمَانِ بالله } عطف على { يِقُومَانُ } أي فيحلفان بالله لشهادتنا ، أي يميننا ، فالمراد بالشهادة هنا اليمين ، كما في قوله تعالى : { فشهادة أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شهادات بالله } أي يحلفان لشهادتنا على أنهما كاذبان خائنان أحق من شهادتهما ، أي من يمينهما على أنهما صادقان أمينان { وَمَا اعتدينا } أي تجاوزنا الحق في يميننا { إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الظالمين } إن كنا حلفنا على باطل .

/خ108