{ فَإِنْ عُثِرَ } أي اطُّلع بعد التحليف { على أَنَّهُمَا استحقا إِثْماً } حسبما اعترفا به بقولهما : إنا إذاً لمن الآثمين ، أي فعلا ما يوجبُ إثماً من تحريفٍ وكَتم بأن ظهر بأيديهما شيءٌ من التركة وادَّعيا استحقاقَهما له بوجهٍ من الوجوه كما وقع في سبب النزول حسبما سيأتي { فَآخَرَانِ } أي رجلان آخران ، وهو مبتدأ خبرُه { يقُومَانُ مَقَامَهُمَا } ولا محذورَ في الفصل بالخبر بين المبتدأ وبين وَصفِه الذي هو الجارُّ والمجرور بعده ، أي يوقمان مَقام اللذين عُثر على خيانتهما ، وليس المراد بمقامهما مقامَ أداءِ الشهادة التي تولَّياها ولم يؤدِّياها كما هي ، بل هو مقام الحبس والتحليف على الوجه المذكور لإظهار الحق وإبراز كذِبهما فيما ادعيا من استحقاقهما لما في أيديهما { مِنَ الذين استحق } على البناء للفاعل على قراءة عليٍّ وابنِ عباس وأُبيّ رضي الله عنهم ، أي من أهل البيت الذين استحق { عَلَيْهِمُ الأوليان } من بينهم ، أي الأقربانِ إلى الميت ، الوارثانِ له ، الأحقانِ بالشهادة أي باليمين كما ستعرفه ، ومفعولُ ( استحق ) محذوفٌ أي استحقا عليهم أن يجرِّدوهما للقيام بها ، لأنها حقُّهما ويُظهروا بهما كذِبَ الكاذبَيْن ، وهما في الحقيقة الآخرانِ القائمان مَقام الأوَّلَيْن على وضع المُظْهر مقام المُضْمَر ، وقرئ على البناء للمفعول وهو الأظهر ، أي من الذين استُحق عليهم الإثمُ أي جُنيَ عليهم ، وهم أهلُ الميت وعشيرتُه ، فالأَوْليان مرفوعٌ على أنه خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ كأنه قيل : ومن هما ؟ فقيل : الأوليان ، أو بدلٌ من الضمير في ( يقومان ) أو من ( آخران ) وقد جوِّز ارتفاعَه باستَحق على حذف المضاف ، أي استحقّ عليهم انتدابُ الأوَّلَيْن منهم للشهادة ، وقرئ ( الأولِّين ) على أنه صفة للذين الخ ، مجرور أو منصوب على المدح ، ومعنى الأولية التقدمُ على الأجانب في الشهادة لكونهم أحقَّ بها ، وقرئ ( الأولَيْن ) على التثنية وانتصابُه على المدح ، وقرئ ( الأولان ) . { فَيُقْسِمَانِ بالله } عطف على يقومان { لشهادتنا } المرادُ بالشهادة اليمينُ كما في قوله تعالى : { فشهادةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شهادات بالله } [ النور ، الآية 6 ] أي لَيَمينُنا على أنهما كاذبان فيما ادَّعيا من الاستحقاق مع كونِها حقةً صادقةً في نفسها { أَحَقُّ } بالقبول { مِن شهادتهما } أي من يمينهما مع كونها كاذبةً في نفسها لما أنه قد ظهر للناس استحقاقُهما للإثم ، ويمينُنا منزهةٌ عن الرَّيْب والرِّيبة ، فصيغةُ التفضيلِ مع أنه لا حقيةَ في يمينهما رأساً إنما هي لإمكان قَبولِها في الجُملة باعتبار احتمالِ صدقِهما في ادعاء تملُّكِهما لما ظهر في أيديهما { وَمَا اعتدينا } عطف على جواب القسم أي ما تجاوزنا فيها الحقَّ أو ما اعتدينا عليهما بإبطال حقهما { أَنَا إِذِنَ لمِنَ الظالمين } استئنافٌ مقرَّرٌ لما قبله ، أي إنا إنِ اعتدَيْنا في يميننا لمن الظالمين أنفسهم بتعريضها لسخط الله تعالى وعذابه بسبب هتك حرمة اسم الله تعالى ، أو لمن الواضعين الحقَّ في غير موضعه ، ومعنى النظم الكريم أن المُحتَضَرَ ينبغي أن يُشهدَ على وصيته عدلين من ذوِي نسبِه أو دينه ، فإن لم يجدْهما بأن كان في سفر فآخران من غيرهم ، ثم إن وقع ارتيابٌ بهما أقسما على أنهما ما كتما من الشهادة ولا من التركة شيئاً بالتغليظ في الوقت ، فإنِ اطُّلعَ بعد ذلك على كذبهما بأن ظهر بأيديهما شيءٌ من التركة ، وادعيا تملُّكه من جهة الميت حلفَ الورثةُ وعُمل بأيْمانهم . ولعل تخصصَ الاثنين لخصوص الواقعة ، فإنه رُوي ( أن تميمَ بنَ أوسٍ الداري وعديَّ بنَ بدَّاء خرجا إلى الشام للتجارة وكانا حينئذ نصْرانيين ومعهما بديلُ بنُ أبي مريم مولى عمْرو بنِ العاص وكان مسلماً مهاجراً ، فلما قدِموا الشامَ مرضَ بديلٌ فكتب كتاباً فيه جميعُ ما معه وطرحه في متاعِه ولم يخبرْهما بذلك ، وأوصى إليهما بأن يدفعا متاعَه إلى أهله ، ومات ، ففتشاه ، فوجدوا فيه إناءً من فضة وزْنُه ثلثمائةِ مثقالٍ منقوشاً بالذهب ، فغيَّباه ودفعا المتاعَ إلى أهله ، فأصابوا فيه الكتاب ، فطلبوا منهما الإناءَ فقالا : ما ندري ، إنما أوصى إلينا بشيءٍ وأمرَنا أن ندفعَه إليكم ففعلنا ، وما لنا بالإناء من علم ، فرفعوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل { يا أيها الذين آمنوا } [ المائدة ، الآية 106 ] الآية ، فاستحلَفَهما بعد صلاة العصر عند المِنْبر بالله الذي لا إله إلا هو أنهما لم يخْتانا شيئاً مما دَفَع ولا كتما فحلَفا على ذلك فخلَّى عليه الصلاة والسلام سبيلهما ، ثم إن الإناءَ وُجد بمكةَ فقال مَنْ بيده : اشتريتُه من تميم وعدي ، وقيل : لما طالت المدةُ أظهراه فبلغ ذلك بني سهمٍ فطلبوه منهما فقالا : كنا اشتريناه من بديل ، فقالوا : ألم نقلْ لكما : هل باع صاحبُنا من متاعه شيئاً ، فقلتما : لا ؟ قالا : ما كان لنا بينةٌ فكرِهنا أن نُقِرَّ به ، فرفعوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل قوله عز وجل : { فَإِنْ عُثِرَ } [ المائدة ، الآية 107 ] الآية ، فقام عمروُ بنُ العاص والمطَّلِبُ بنُ أبي وداعةَ السَّهْميان فحلفا بالله بعد العصر أنهما كَذَبا وخانا ، فدفع الإناءَ إليهما ) . وفي رواية إلى أولياء الميت . واعلم أنهما إن كانا وارثين ( لبديل ) فلا نسخ إلا في وصف اليمين ، فإن الوارثَ لا يُحَلَّفُ على البَتات ، وإلا فهو منسوخ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.