فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَإِنۡ عُثِرَ عَلَىٰٓ أَنَّهُمَا ٱسۡتَحَقَّآ إِثۡمٗا فَـَٔاخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتَحَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَوۡلَيَٰنِ فَيُقۡسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَٰدَتُنَآ أَحَقُّ مِن شَهَٰدَتِهِمَا وَمَا ٱعۡتَدَيۡنَآ إِنَّآ إِذٗا لَّمِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (107)

{ فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين 107 ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين 108 } .

{ فإن عثر } يقال عثر على كذا اطلع عليه ويقال عثرت منه على خيانة أي اطلعت وأعثرت غيري عليه ومنه قوله تعالى : { وكذلك أعثرنا عليهم } وأصل العثور الوقوع على الشيء ، وقيل الهجوم على شيء لم يهجم عليه غيره وكل من اطلع على أمر كان قد خفي عليه قيل له قد عثر عليه .

والمعنى أنه إذا اطلع وظهر بعد التحليف { على أنهما } أي الشاهدين أو الوصيين على الخلاف في أن الاثنين وصيان أو شاهدين على الوصية { استحقا } أي استوجبا { إثما } إما بكذب في الشهادة أو اليمين أو بظهور خيانة بأن وجد عندهما مثلا ما اتهما به وادعيا أنهما ابتاعاه من الميت أو وصى لهما به .

قال أبو علي الفارسي : الإثم هنا اسم الشيء المأخوذ لأن آخذه يأثم بأخذه فسمي إثما كما سمي ما يؤخذ بغير حق مظلمة ، وقال سيبويه : المظلمة اسم ما أخذ منك فكذلك سمي هذا المأخوذ باسم المصدر .

{ فآخران } أي فشاهدان آخران أو فحالفان آخران من أولياء الميت { يقومان مقامهما } أي مقام الذين عثر على أنهما استحقا إثما فيشهدان أو يحلفان على ما هو الحق وليس المراد أنهما يقومان مقامهما في أداء الشهادة التي شهدها المستحقان للاثم { من الذين استحق } قرئ على البناء للمفعول وعلى الفاعل { عليهم } الوصية وهم الورثة ويبدل من آخران { الأوليان } هو على الأولى مرتفع كأنه قيل من هما فقيا هما الأوليان .

والمعنى على الأولى من الذين استحق عليهم الإثم أي جنى عليهم وهم أهل الميت وعشيرته فإنهم أحق بالشهادة أو اليمين من غيرهم فالأوليان تثنية أولى .

والمعنى على الثانية من الذين استحق عليهم الاوليان من بينهم بالشهادة أن يجردوهما للقيام بالشهادة ويظهروا بهما كذب الكاذبين لكونهما الأقربين إلى الميت ، فالأوليان فاعل استحق ومفعوله أن يجردوهما للقيام بالشهادة ، وقيل المفعول محذوف والتقدير من الذين استحق عليهم الأوليان بالميت وصيته التي أوصى بها .

{ فيقسمان بالله } أي فيحلفان على خيانة الشاهدين { لشهادتنا } أي يميننا فالمراد بالشهادة هنا اليمين كما في قوله تعالى : { فشهادة أحدهم أربع شهادات } بالله أي ليحلفان لشهادتنا على أنهما كاذبان خائنان { أحق من شهادتهما } أي أحق بالقبول من يمينهما على أنهما صادقان أمينان { وما اعتدينا } أي ما تجاوزنا الحق في يميننا وقلنا أن شهادتنا أحق من شهادة هذين الوصيين الخائنين { إنا إذا لمن الظالمين } إن كنا حلفنا على باطل .