الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{فَإِنۡ عُثِرَ عَلَىٰٓ أَنَّهُمَا ٱسۡتَحَقَّآ إِثۡمٗا فَـَٔاخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتَحَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَوۡلَيَٰنِ فَيُقۡسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَٰدَتُنَآ أَحَقُّ مِن شَهَٰدَتِهِمَا وَمَا ٱعۡتَدَيۡنَآ إِنَّآ إِذٗا لَّمِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (107)

{ فَإِنْ عُثِرَ } أي أطلع وظهر ، وأصل العثر الوقوع والسقوط على الشيء ، ومنه قوله : عثرت بكذا إذا أصبته وصدمته ووقعت عليه .

قال الأعمش :

بذات لوث عفرناة إذا عثرت *** فالتعس أدنى لها من أن أقول لعا

يعنى بقوله : عثرت أصاب ميم خفها مجر أو غيره ، ثمّ يستعمل في كل واقع على شيء كان عنه خفياً كقولهم في أمثالهم : عثرت على الغزل بأخرة فلم تدع بنجد قردة .

{ عَلَى أَنَّهُمَا } يعني الوصيين { اسْتَحَقَّآ إِثْماً } أي استوجبا إثماً بأيمانهما الكاذبة وخيانتهما ، { فَآخَرَانِ } من أولياء الميت { يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا } يعني مقام الوصيين { مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ } .

قرأ الحسن وحفص بفتح التاء وهي قراءة علي وأُبي بن كعب أي وجب عليهم الإثم ، يقال حق واستحق بمعنى وقال : { الأَوْلَيَانِ } رجع إلى قوله : فآخران الأوليان ولم يرتفع بالإستحقاق .

وقرأ الباقون : بضم التاء على المجهول يعني الذين استحق فيهم ولأجلهم الإثم وهم ورثة الميت ، استحق الحالفان بسببهم وفيهم الإثم على المعنى في كقوله : { عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ } [ البقرة : 102 ] .

وقال صخر الغي :

متى ما تنكروها تعرفوها *** على أقطارها علق نفيث

{ الأَوْلَيَانِ } بالجمع قرأه أكثر أهل الكوفة واختيار يعقوب أي من الذين الأولين .

وقرأ الحسن : الأولون ، وقرأ الآخرون الأوليان على لغة الآخرين وإنما جاز ذلك ، الأولان معرفة والآخران بكثرة لأنه حين قال من الذين وحدهما ووصفهما صار كالمعرفة في المعنى .

{ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا } أي واللّه لشهادتنا { أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا } يعني يميننا أحق من يمينهما . نظيره قوله : { فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ } [ النور : 6 ] في قصة اللعان أراد الأيمان ، وهذا كقول القائل : أشهد باللّه وله أقسم { وَمَا اعْتَدَيْنَآ } في يميننا { إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ } ، فلما نزلت هذه الآية قام عمرو بن العاص والمطلب بن وداعة السهميان حلفا باللّه بعد العصر مرّة فدفع الجام إليهما وإلى أولياء الميت ، وكان تميم الداري بعد ما أسلم وبايع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : صدق اللّه عز قوله أنا أخذت الجام فأتوب إلى اللّه وأستغفره .

وإنما انتقل اليمين إلى الأوليان ، لأن الوصيين صح عليهما الإناء ثم ادعيا أنهما ابتاعاه ، وكذلك إذا ادعى الوصي أن الموصي أوصى له بشيء ولم يكن ثم بينة ، وكذلك إذا ادعى رجل قبل رجل مالا فأقرّ المدعي عليه بذلك ، ثم ادعى أنه اشتراها من المدعي أو وهبها له المدعي ، فإن في هذه المسائل واشتباهها يحكم برد اليمين على المدعي .

روى محمد بن إسحاق عن أبي النضير عن باذان مولى أم هاني عن ابن عباس عن تميم الداري ، قال : بعنا الجام بألف درهم فقسمناه أنا وعدي فلما أسلمت تأثمت من ذلك بعد ما حلفت كاذباً ، وأتيت موالي الميت فأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها ، فوثبوا إليه فأتوا به إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، فسألهم البينة فلم يجدوا . فأمر الموالي أن يحلفوا فحلف عمرو والمطلب فنزعت الخمسمائة من عدي ورددت أنا الخمسمائة فذلك قوله { ذلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَآ } .