معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَيَسۡتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۚ وَٱلۡكَٰفِرُونَ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞ} (26)

قوله تعالى : { ويستجيب الذين آمنوا } أي : ويجيب الذين آمنوا ، { وعملوا الصالحات } إذا دعوه ، وقال عطاء عن ابن عباس : ويثيب الذين آمنوا . { ويزيدهم من فضله } سوى ثواب أعمالهم تفضلاً منه . قال أبو صالح عنه : يشفعهم في إخوانهم ، ويزيدهم من فضله . قال : في إخوان إخوانهم . { والكافرون لهم عذاب شديد* }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيَسۡتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۚ وَٱلۡكَٰفِرُونَ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞ} (26)

وفي ثنايا هذه اللمسة يعود إلى جزاء المؤمنين وجزاء الكافرين . فالذين آمنوا وعملوا الصالحات يستجيبون لدعوة ربهم ، وهو يزيدهم من فضله . ( والكافرون لهم عذاب شديد ) . . وباب التوبة مفتوح للنجاة من العذاب الشديد ، وتلقي فضل الله لمن يستجيب .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَيَسۡتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۚ وَٱلۡكَٰفِرُونَ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞ} (26)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَسْتَجِيبُ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } .

يقول تعالى ذكره : ويجيب الذين آمنوا بالله ورسوله ، وعملوا بما أمرهم الله به ، وانتهوا عما نهاهم عنه لبعضهم دعاء بعض . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثام ، قال : حدثنا الأعمش ، عن شقيق بن سلمة ، عن سلمة بن سبرة ، قال : خطبنا معاذ ، فقال : أنتم المؤمنون ، وأنتم أهل الجنة ، والله إني لأرجو أن من تصيبون من فارس والروم يدخلون الجنة ، ذلك بأن أحدهم إذا عمل لأحدكم العمل قال : أحسنت رحمك الله ، أحسنت غفر الله لك ، ثم قرأ : وَيَسْتَجِيبُ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ .

وقوله : وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ يقول تعالى ذكره : ويزيد الذين آمنوا وعملوا الصالحات مع إجابته إياهم دعاءهم ، وإعطائه إياهم مسألتهم من فضله على مسألتهم إياه ، بأن يعطيهم ما لم يسألوه . وقيل : إن ذلك الفضل الذي ضمن جلّ ثناؤه أن يزيدهموه ، هو أن يشفعهم في إخوان إخوانهم إذا هم شفعوا في إخوانهم ، فشفعوا فيهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عبيد الله بن محمد الفريابيّ ، قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن سعيد بن بشر ، عن قتادة ، عن إبراهيم النخعيّ في قول الله عزّ وجلّ : وَيَسْتَجِيبُ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ قال : يُشَفّعون في إخوانهم ، ويزدهم من فضله ، قال : يشفعون في إخوان إخوانهم .

وقوله : والكافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ يقول جلّ ثناؤه : والكافرون بالله لهم يوم القيامة عذاب شديد على كفرهم به .

واختلف أهل العربية في معنى قوله : وَيَسْتَجِيبُ الّذِينَ آمَنُوا فقال بعضهم : أي استجاب فجعلهم هم الفاعلين ، فالذين في قوله رفع ، والفعل لهم . وتأويل الكلام على هذا المذهب : واستجاب الذين آمنوا وعملوا الصالحات لربهم إلى الإيمان به ، والعمل بطاعته إذ دعاهم إلى ذلك .

وقال آخر منهم : بل معنى ذلك : ويجيب الذين آمنوا . وهذا القول يحتمل وجهين : أحدهما الرفع ، بمعنى : ويجيب الله الذين آمنوا . والاَخر ما قاله صاحب القول الذي ذكرنا .

وقال بعض نحويي الكوفة : وَيَسْتَجِيبُ الّذِينَ آمَنُوا يكون «الذين » في موضع نصب بمعنى : ويجيب الله الذين آمنوا . وقد جاء في التنزيل : فاسْتَجابَ لَهُمْ رَبّهُمْ والمعنى : فأجاب لهم ربهم ، إلا أنك إذا قلت استجاب ، أدخلت اللام في المفعول وإذا قلت أجاب حذفت اللام ، ويكون استجابهم ، بمعنى : استجاب لهم ، كما قال جلّ ثناؤه : وَإذَا كالُوهُمْ أوْ وَزَنُوهُمْ والمعنى والله أعلم : وإذا كالوا لهم ، أو وزنوا لهم يُخْسِرُونَ . قال : ويكون «الذين » في موضع رفع إن يجعل الفعل لهم ، أي الذين آمنوا يستجيبون لله ، ويزيدهم على إجابتهم ، والتصديق به من فضله . وقد بيّنا الصواب في ذلك من القول على ما تأوّله ومن ذكرنا قوله فيه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَيَسۡتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۚ وَٱلۡكَٰفِرُونَ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞ} (26)

{ ويستجيب الذين آمنوا وعلموا الصالحات } أي يستجيب الله لهم فحذف اللام كما حذف في { وإذا كالوهم } والمراد إجابة الدعاء أو الإثابة على الطاعة ، فإنها كدعاء وطلب لما يترتب عليها . ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " أفضل الدعاء الحمد لله " ، أو يستجيبون لله بالطاعة إذا دعاهم إليها . { ويزيدهم من فضله } على ما سألوا واستحقوا واستوجبوا له بالاستجابة . { والكافرون لهم عذاب شديد } بدل ما للمؤمنين من الثواب والتفضل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَيَسۡتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۚ وَٱلۡكَٰفِرُونَ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞ} (26)

والاستجابة : مبالغة في الإجابة ، وخُصت الاستجابة في الاستعمال بامتثال الدعوةِ أو الأمر . وظاهر النظم أن فاعل { يستجيب } ضمير يعود إلى ما عاد إليه ضمير { وهو الذي يقبل التوبة } وأن { الذين آمنوا } مفعول { يستجيب } وأن الجملة معطوفة على جملة { يقبل التوبة } .

والغالب في الاستعمال أن يقال : استجاب له ، كقوله : { ادعوني أستجب لكم } [ غافر : 60 ] وقد يحذفون اللام فيعدُّونه بنفسه ، كقول كعب بن سعد :

ودَاعٍ دَعا يَا من يجيب إلى الندا *** فلم يستجبه عند ذَاك مجيب

والمعنى : أن الله يستجيب لهم ما يرجونه منه من ثواب ، وما يدْعُونه .

ويجوز أن يكون { الذين آمنوا } فعل { يستجيب } أي يستجيبون لله فيطيعونه وتكون جملة { ويستجيب } عطفاً على مجموع جملة { وهو الذي يقبل التوبة } ، أي ذلك شأنه وهذا شأن عباده المؤمنين .

ومعنى { ويزيدهم من فضله } على الوجهين أنه يعطيهم ما أمَّلوا من دعائهم وعملهم وأعظم مما أملوا حين استجابوا له ولرسوله ، وأنه يعطيهم من الثواب أكثر مما عملوا من الصالحات إذ جعل لهم الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف كما في الحديث ، وأنه يعطيهم من خير الدنيا ما لم يسألوه إياه كل ذلك لأنه لطيف بهم ومدبر لمصالحهم .

ولما كانت الاستجابة والزيادة كرامةً للمؤمنين ، أظهر اسم { الذين آمنوا } وجيء به مَوْصُولاً للدلالة على أن الإيمان هو وجه الاستجابة لهم والزيادة لهم .

وجملة { والكافرون لهم عذاب شديد } اعتراض عائد إلى ما سبق من قوله : { ترى الظالمين مُشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم } [ الشورى : 22 ] توكيداً للوعيد وتحذيراً من الدوام على الكفر بعد فتح باب التوبة لهم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَيَسۡتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۚ وَٱلۡكَٰفِرُونَ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞ} (26)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ويجيب الذين آمنوا بالله ورسوله، وعملوا بما أمرهم الله به، وانتهوا عما نهاهم عنه لبعضهم دعاء بعض...

وقوله:"وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ" يقول تعالى ذكره: ويزيد الذين آمنوا وعملوا الصالحات مع إجابته إياهم دعاءهم، وإعطائه إياهم مسألتهم من فضله على مسألتهم إياه، بأن يعطيهم ما لم يسألوه. وقيل: إن ذلك الفضل الذي ضمن جلّ ثناؤه أن يزيدهموه، هو أن يشفعهم في إخوان إخوانهم إذا هم شفعوا في إخوانهم، فشفعوا فيهم... وقوله: "والكافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ "يقول جلّ ثناؤه: والكافرون بالله لهم يوم القيامة عذاب شديد على كفرهم به.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات} أي يجيب الذين آمنوا بما يدعون ويسألون ربهم، وهو كقوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الدّاع إذا دعانِ} [البقرة: 186] أي يجيبهم على الذي ذكر في الآية.

{ويزيدهم من فضله} أي يزيدهم من فضله وهو قوله صلى الله عليه وسلم:] (ما لا عين رأت، ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) [البخاري 3244 ومسلم 2824]، وهي الجنة، وذلك زيادة من فضله.

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

{وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} أي يطيع الّذين آمنوا ربّهم في قول بعضهم. جعل الفعل للّذين آمنوا، وقال الآخرون: (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُواْ) جعلوا الإجابة فعل الله تعالى، وهو الأصوب والأعجب إليَّ لأنّه وقع بين فعلين لله تعالى: الأول قوله: {يَقْبَلُ} والثاني {وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ}، ومعنى الآية: ويجيب الله المؤمنين إذا دعوه، وقيل: معناه نجيب دعاء المؤمنين بعضهم لبعض...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

قيل: الاستجابة موافقة عمل العامل ما يدعو اليه، لأجل دعائه إليه، فلما كان المؤمن يوافق بعمله ما يدعو النبي (صلى الله عليه وآله) من أجل دعائه كان مستجيبا له، وكذلك من وافق بعمله داعي عقابه كان مستجيبا للداعي بالفعل. وقيل: معناه ويستجيب دعاء المؤمنين، ولا يستجيب دعاء الكافرين، لأنه ثواب، ولا ثواب للكافرين.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

إذا دَعَوْه استجابَ لهم بعظيم الثواب في الآخرة.

{وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ} يقول المفسرون من أهل السُّنَّة في هذه الزيادة إنها الرؤية.

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

(ويزيدهم من فضله) أي: الثناء الحسن في الدنيا، وقيل: الشفاعة في الآخرة، والمعروف مضاعفة الحسنات...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

إن قالوا تخصيص المؤمنين بإجابة الدعاء هل يدل على أنه تعالى لا يجيب دعاء الكفار؟ قلنا قال بعضهم لا يجوز لأن إجابة الدعاء تعظيم، وذلك لا يليق بالكفار وقيل يجوز على بعض الوجوه، وفائدة التخصيص أن إجابة دعاء المؤمنين تكون على سبيل التشريف، وإجابة دعاء الكافرين تكون على سبيل الاستدراج،...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{والكافرون} أي العريقون في هذا الوصف، الذين منعتهم عراقتهم من التوبة والإيمان. {لهم عذاب شديد} ولا يجيب دعاءهم، فغيرهم من العصاة لهم عذاب غير لازم التقيد بشديد، والآية من الاحتباك: ذكر الاستجابة أولاً دليلاً على ضدها ثانياً، والعذاب ثانياً دليلاً على ضده أولاً، وسره أنه ذكر الحامل على الطاعة والصاد عن المعصية.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

الاستجابة: مبالغة في الإجابة، وخُصت الاستجابة في الاستعمال بامتثال الدعوةِ أو الأمر، وظاهر النظم أن فاعل {يستجيب} ضمير يعود إلى ما عاد إليه ضمير {وهو الذي يقبل التوبة} وأن {الذين آمنوا} مفعول {يستجيب} وأن الجملة معطوفة على جملة {يقبل التوبة}.

والغالب في الاستعمال أن يقال: استجاب له، كقوله: {ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60] وقد يحذفون اللام فيعدُّونه بنفسه...

وجملة {والكافرون لهم عذاب شديد} اعتراض عائد إلى ما سبق من قوله: {ترى الظالمين مُشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم} [الشورى: 22] توكيداً للوعيد وتحذيراً من الدوام على الكفر بعد فتح باب التوبة لهم...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

قد تمّ ذكر تفاسير مختلفة للأمر الذي سيستجيبه من المؤمنين، حيث أن بعض المفسّرين حدد ذلك في طلبات معينة، منها: أنّه سيستجيب دعاء المؤمنين أحدهم للآخر. ومنها أنّه سيقبل عباداتهم وطاعاتهم. ومنها أن ذلك مختص بشفاعتهم لاخوانهم. ولكن لا يوجد أي دليل على هذا التحديد، حيث أن الخالق سيستجيب أي طلب للمؤمنين الذين يعملون الصالحات والأكثر من ذلك فإنّه سيهبهم من فضله أُموراً قد لا تخطر على بالهم ولم يطلبوها، وهذا غاية اللطف والرحمة الإلهية بخصوص المؤمنين...