قوله تعالى : { لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } ، فإن قيل : كيف قال : كفرتم بعد إيمانكم ، وهم لم يكونوا مؤمنين ؟ . قيل : معناه : أظهرتم الكفر بعدما أظهرتم الإيمان . قوله تعالى : { إن نعف عن طائفة منكم } ، أي : نتب على طائفة منكم ، وأراد بالطائفة واحدا ، { نعذب } بالنون وكسر الذال ، { طائفة } نصب . وقرأ الآخرون : يعف بالياء وضمها الفاء ، { تعذب } بالتاء وفتح الدال ، طائف رفع على غير تسمية الفاعل . وقال محمد بن إسحاق : الذي عفا عنه رجل واحد ، هو مخشي بن حمير الأشجعي ، يقال هو تاب من نفاقه ، وقال : اللهم إني أزال أسمع آية تقرأ أعنى بها تقشعر الجلود منها ، وتجب منها القلوب ، اللهم اجعل وفاتي قتلا في سبيلك لا يقول أحد أنا غسلت أنا كفنت أنا دفنت ، فأصيب يوم اليمامة ، فما أحد من المسلمين إلا عرف مصرعه غيره .
القول في تأويل قوله تعالى : { لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مّنْكُمْ نُعَذّبْ طَآئِفَةً بِأَنّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهؤلاء الذين وصفت لك صفتهم : لا تَعْتَذِرُوا بالباطل ، فتقولوا كنا نخوض ونلعب . قَدْ كَفَرْتُمْ يقول : قد جحدتم الحقّ بقولكم ما قلتم في رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به بَعْدَ إيمَانِكُمْ يقول : بعد تصديقكم به وإقراركم به . إنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذّبْ طائِفَةً وذُكر أنه عنى بالطائفة في هذا الموضع رجل واحد .
حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : كان الذي عفي عنه فيما بلغني مخشي بن حمير الأشجعي حليف بني سلمة ، وذلك أنه أنكر منهم بعض ما سمع .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا زيد بن حبان ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب : إنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ قال : طائفة : رجل .
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : إن نَعْفُ عن طائفة منكم بإنكاره ما أنكر عليكم من قبل الكفر ، نعذّب طائفة بكفره واستهزائه بآيات الله ورسوله . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : قال بعضهم : كان رجل منهم لم يمالئهم في الحديث ، فيسير مجانبا لهم ، فنزلت : إنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذّبْ طائِفَةً فسمي طائفة وهو واحد .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إن تتب طائفة منكم فيعفو الله عنه ، يعذّب الله طائفة منكم بترك التوبة .
وأما قوله : إنّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ فإن معناه : نعذّب طائفة منهم باكتسابهم الجرم ، وهو الكفر بالله ، وطعنهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم .
{ لا تعتذروا } لا تشتغلوا باعتذاراتكم فإنها معلومة الكذب . { قد كفرتم } قد أظهرتم الكفر بإيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم والطعن فيه . { بعد إيمانكم } بعد إظهاركم الإيمان . { إن نعفُ عن طائفة منكم } لتوبتهم وإخلاصهم ، أو لتجنبهم عن الإيذاء والاستهزاء . { نعذّب طائفة بأنهم كانوا مجرمين } مصرين على النفاق أو مقدمين على الإيذاء والاستهزاء . وقرأ عاصم بالنون فيهما . وقرئ بالياء وبناء الفاعل فيهما وهو الله " وإن تعف " بالتاء والبناء على المفعول ذهابا إلى المعنى كأنه قال : أن ترحم طائفة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.