الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡۚ إِن نَّعۡفُ عَن طَآئِفَةٖ مِّنكُمۡ نُعَذِّبۡ طَآئِفَةَۢ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (66)

ثم قال تعالى : { لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم }[ 66 ] ، أي : كفرتم بقولكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهذا متصل بقوله : { قل آبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون } .

{ لا تعتذروا } ، وهو الوقف عند نافع{[29191]} .

{ نخوض ونلعب }[ 65 ] ، وقف{[29192]} .

ويروى أن هذه الآية نزلت في رهط من المنافقين ، كانوا يرجفون{[29193]} في غزوة النبي صلى الله عليه وسلم ، إلى تبوك ويخوّفون المسلمين{[29194]} من الروم ، فسألهم النبي عليه السلام عن قولهم ، فقالوا : { إنما كنا نخوض ونلعب }{[29195]} .

وقال قتادة : نزلت في أناس من المنافقين ، قالوا في غزوة تبوك : أيرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشأم{[29196]} وحصونها ؟ هيهات هيهات ، فأطلع الله عز وجل ، نبيه عليه السلام ، على ذلك ، فأتاهم النبي فقال : قلتم كذا وكذا . فقالوا : يا نبي الله : { إنما كنا نخوض ونلعب }{[29197]} .

وقال ابن جبير{[29198]} : قال ناس من المنافقين في غزوة تبوك : لئن كان ما يقول حقا لنحن شر{[29199]} من الحمير ، فأعلم الله عز وجل ، نبيه عليه السلام ، بذلك ، فقال لهم : ما كنتم تقولون ، فقالوا : { إنما كنا نخوض ونلعب }{[29200]} .

ثم قال تعالى : { إن يعف عن طائفة منكم تعذب طائفة }[ 66 ] ، " الطائفة " التي عفا عنها هاهنا ، رجل منهم كان قد أنكر ما سمع ، يُسمى : مخشي{[29201]} بن حمير الأشجعي .

وقيل : إنه أقر على نفسه وصاحبيه بما قالوا نادما تائبا ، فهو " الطائفة " المعفو عنها .

فالمعنى : { إن يعف عن طائفة منكم } ، بإنكار ما أنكر عليكم من قول الكفر { تعذب طائفة } بقولهم ورضاهم بالكفر ، واستهزائهم بالله ، سبحانه ، ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وآياته{[29202]} .

وقيل المعنى : إن تتب طائفة منكم ، يعف الله عز وجل ، عنها ، تعذب طائفة بترك التوبة{[29203]} .

قال أبو إسحاق{[29204]} : كانت الطائفتان ثلاثة نفر ، استهزأ اثنان ، وضحك واحد{[29205]} . { بأنهم كانوا مجرمين }[ 66 ] .

أي : باكتسابهم الجرم ، وهو الكفر بالله ، سبحانه ، والطعن{[29206]} على رسوله{[29207]} عليه السلام{[29208]} .


[29191]:المكتفى 295، بلفظ: "....وقال نافع، هو تام، أي "لا تعتذروا بقولكم: إنما كنا نخوض ونلعب"، وهو حسن، انظر: منار الهدى 167.
[29192]:وهو كاف في القطع والإئتناف 364، والمكتفى 295، ومنار الهدى 167، انظر: المقصد 167.
[29193]:أرجف القوم في الشيء وبه إرجافا: أكثروا من الأخبار السيئة واختلاق الأقوال الكاذبة حتى يضطرب الناس منها، وعليه قوله تعالى: {والمرجفون في المدينة}[الأحزاب آية 60] المصباح/رجف.
[29194]:في الأصل: للمسلمين، وليس بشيء.
[29195]:هو في تفسير ابن كثير 2/367، بأطول من هذا، من قول ابن إسحاق.
[29196]:هو بهمزة ساكنة، مثل: رأس، ويجوز تحقيقه بحذفها كما في راس، وشبهه. تهذيب الأسماء واللغات 3/162.
[29197]:جامع البيان 14/334، 335، بتصرف.
[29198]:في الأصل: جبين، وهو تحريف.
[29199]:شر تحرفت في الأصل: جن أو جنس.
[29200]:تفسير ابن أبي حاتم 6/1830، وزاد المسير 3/465، والدر المنثور 4/230، 231، بأطول من هذا.
[29201]:في الأصل: كأنه بحنس من جبير، وهو تحريف، وفي ر: بحش بن جبير، وهو تحريف أيضا. وأثبت ما في جامع البيان 14/336، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1831، والدر المنثور 4/231. وفي سيرة ابن هشام 2/551، مخشن بن حمير الأشجعي". انظر المحرر الوجيز 3/55، والتعريف والإعلام 126، وتفسير القرطبي 8/126، وتفسير مبهمات القرآن 1/549-551.
[29202]:جامع البيان 14/337، بتصرف يسير.
[29203]:انظر: المصدر السابق.
[29204]:في الأصل: أبوخ. وفي ر: ابن إسحاق، وهو تحريف أيضا. وصوابه: أبو إسحاق.
[29205]:معاني القرآن وإعرابه لأبي إسحاق الزجاج 2/459.
[29206]:في "ر": والظفر، وهو تحريف.
[29207]:في "ر": صلى الله عليه وسلم.
[29208]:جامع البيان 14/337.