غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡۚ إِن نَّعۡفُ عَن طَآئِفَةٖ مِّنكُمۡ نُعَذِّبۡ طَآئِفَةَۢ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (66)

60

ثم قال : { لا تعتذروا } نقل الواحدي عن أئمة اللغة أن معنى الاعتذار محو أثر الذنب أو قطعه من قولهم : اعتذر المنزل إذا درس . واعتذرت المياه إذا انقطعت ، ومنه عذرة الجارية لأنها تعذر أي تقطع . والعذر سبب لقطع اللوم ، نهاهم الله عن الاعتذار بالخوض واللعب لأن الشيء الذي يوجب الكفر لا يصلح للعذر . ثم بين ذلك بقوله { قد كفرتم } أي صريحاً { بعد إيمانكم } أي بعد الإيمان الذي أظهرتموه . وفيه أن الاستهزاء بالدين كيف كان كفر بالله صريح لأن العمدة الكبرى في الإيمان هو التعظيم لأمر الله ولشرائعه . { إن نعف عن طائفة منكم } ذكر المفسرون أنهم كانوا ثلاثة ، استهزأ اثنان وضحك الثالث ، ولما كان ذنب الضاحك أخف لأنه لم يوافق القوم في الكفر فلا جرم عفا الله عنه . وفيه إشارة إلى أنه من خاض في عمل باطل فعليه أن يجتهد في التقليل ويحذر من الانهماك فإنه يرجى له ببركة ذلك القليل أن يعفو الله عنه الكل . قال الزجاج : الطائفة في اللغة الجماعة لأنها المقدار الذي يمكنه أن يطيف بالشي ، ثم يجوز أن يسمى الواحد بالطائفة قال تعالى { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } [ النور : 2 ] وأقله الواحد . وروى الفراء بإسناده عن ابن عباس أنه قال : الطائفة الواحد فما فوقه . ووجه بأن من اختار مذهباً فإنه ينصره ويذب عنه من كل الجوانب فلا يبعد أن يسمى طائفة بهذا السبب والتاء للمبالغة . وقال ابن الأنباري : العرب قد توقع لفظ الجمع على الواحد وقال تعالى { الذين قال لهم الناس }

[ آل عمران : 173 ] يعني نعيم بن مسعود . ثم علل كونه معذباً للطائفة الثانية { بأنهم كانوا مجرمين } أي مصّرين مستمرّين على الجرم ، ويجوز أن يكون سبب العفو عن الطائفة الأولى إحداثهم التوبة وإخلاصهم الإيمان بعد النفاق ، ويجوز أن يراد بالعذاب العذاب العاجل . ومن قرأ { أن يعف } على البناء للمفعول والتذكير فلأنه مستند إلى الظرف كما تقول : سير بالدابة دون سيرت . وقرئ بالتأنيث ذهاباً إلى المعنى كأنه قيل : إن ترحم طائفة .

/خ69