قوله تعالى : { وما ينظر } ينتظر ، { هؤلاء } يعني : كفار مكة ، { إلا صيحة واحدة } وهي نفخة الصور ، { ما لها من فواق } قرأ حمزة ، و الكسائي : ( ( فواق ) ) بضم الفاء ، وقرأ الآخرون بفتحها وهما لغتان ، بالفتح لغة قريش ، والضم لغة تميم . قال ابن عباس و قتادة : من رجوع ، أي : ما يرد ذلك الصوت فيكون له رجوع . وقال مجاهد : نظرة . وقال الضحاك : مثنوية ، أي صرف ورد . والمعنى : أن تلك الصيحة التي هي ميعاد عذابهم إذا جاءت لم ترد ولم تصرف . وفرق بعضهم بين الفتح والضم ، فقال الفراء ، وأبو عبيدة : الفتح بمعنى الراحة والإفاقة ، كالجواب من الإجابة ، وذهبا بها إلى إفاقة المريض من علته ، والفواق بالضم ما بين الحلبتين ، وهو أن تحلب الناقة ثم تترك ساعة حتى يجتمع اللبن ، فما بين الحلبتين فواق ، أي أن العذاب لا يمهلهم بذلك القدر . وقيل : هما أيضاً مستعارتان من الرجوع ، لأن اللبن يعود إلى الضرع بين الحلبتين ، وإفاقة المريض : رجوعه إلى الصحة .
ذلك كان شأن الأحزاب الغابرة في التاريخ . . فأما هؤلاء فمتروكون - في عمومهم - إلى الصيحة التي تنهي الحياة في الأرض قبيل يوم الحساب :
( وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق ) . .
هذه الصيحة إذا جاءت لا تستأخر ولو فترة قصيرة مقدار فواق ناقة . وهي المسافة بين الحلبتين ! لأنها تجيء في موعدها المحدد ، الذي لا يستقدم ولا يستأخر . كما قدر الله لهذه الأمة الأخيرة أن ينظرها ويمهلها ، فلا يأخذها بالدمار والهلاك كما أخذ من قبل أولئك الأحزاب .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا يَنظُرُ هََؤُلاَءِ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً مّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } .
يقول تعالى ذكره : وَما يَنْظرُ هَؤُلاءِ المشركون بالله من قُريش إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً يعني بالصيحة الواحدة : النفخة الأولى في الصور ما لَهَا مِنْ فَوَاقِ يقول : ما لتلك الصيحة من فيقة ، يعني من فتور ولا انقطاع . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وَما يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ) يعني : أمة محمد ما لهَا مِنْ فَوَاقٍ .
حدثنا أبو كُرَيْب ، قال : حدثنا المحاربي ، عن إسماعيل بن رافع ، عن يزيد بن زياد ، عن رجل من الأنصار ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ اللّهَ لمّا فَرَغَ مِنْ خَلْقِ السّمَوَاتِ والأرْضِ خَلَقَ الصّورَ ، فَأعْطاهُ إسْرَافِيلَ ، فَهُوَ وَاضِعُهُ على فِيهِ شاخِصٌ بِبَصَرِهِ إلى العَرْشِ يَنْتَظِرُ مَتى يُؤْمَرُ » . قال أبو هريرة : يا رسول الله وما الصور ؟ قال : «قَرْنٌ » ، قال : كيف هو ؟ قال : «قَرْنٌ عَظِيمٌ يُنْفَخُ فِيهِ ثَلاثُ نَفَخاتٍ : نَفْخَةُ الفَزَعِ الأُولى ، والثّانِيَةُ : نَفْخَةُ الصّعْقِ ، والثّالِثَةُ : نَفْخَةُ الْقِيامِ لِرَبّ العالَمِينَ ، يَأْمُرُ اللّهُ إسْرَافيلَ بالنّفْخَةِ الأُولى ، فَيَقُولُ : انْفُخُ نَفْخَةَ الفَزَعِ ، فَيَفْزَعُ أهْلُ السّمَوَاتِ وأهْلُ الأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ ، وَيَأْمُرُهُ اللّهُ فَيُدِيمُها وَيُطَوّلَها ، فَلا يَفْتَرُ وَهِيَ التي يَقُولُ اللّهُ وَما يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ما لَها مِنْ فَوَاقٍ » .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( ما لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ) : فقال بعضهم : يعني بذلك : ما لتلك الصيحة من ارتداد ولا رجوع . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : ( ما لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ) يقول : من تَرداد .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ) : يقول : ما لها من رجعة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( ما لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ) : قال : من رجوع .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( ما لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ) : يعني الساعة ما لها من رجوع ولا ارتداد .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ما لهؤلاء المشركين بعد ذلك إفاقة ولا رجوع إلى الدنيا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : ( ما لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ) : يقول : ليس لهم بعدها إفاقة ولا رجوع إلى الدنيا .
وقال آخرون : الصيحة في هذا الموضع : العذاب . ومعنى الكلام : ما ينتظر هؤلاء المشركون إلا عذابا يهلكهم ، لا إفاقة لهم منه . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( ما لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ) : قال : ما ينتظرون إلا صيحة واحدة ما لها من فواق ، يا لها من صيحة لا يفيقون فيها كما يفيق الذي يغشى عليه وكما يفيق المريض تهلكهم ، ليس لهم فيها إفاقة .
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة مِنْ فَوَاقٍ بفتح الفاء . وقرأته عامة أهل الكوفة : «مِنْ فُوَاقٍ » بضم الفاء .
واختلف أهل العربية في معناها إذا قُرئت بفتح الفاء وضمها ، فقال بعض البصريين منهم : معناها ، إذا فتحت الفاء : ما لها من راحة ، وإذا ضمت جعلها فُواق ناقة ما بين الحلبتين . وكان بعض الكوفيين منهم يقول : معنى الفتح والضمّ فيها واحد ، وإنما هما لغتان مثل السّوَاف والسّواف ، وجَمام المكوك وجُمامة ، وقَصاص الشعر وقُصاصة .
والصواب من القول في ذلك أنهما لغتان ، وذلك أنا لم نجد أحدا من المتقدمين على اختلافهم في قراءته يفرّقون بين معنى الضمّ فيه والفتح ، ولو كان مختلف المعنى باختلاف الفتح فيه والضم ، والضم ، لقد كانوا فرقوا بين ذلك في المعنى . فإذ كان ذلك كذلك ، فبأيّ القراءتين قرأ القارىء فمصيب وأصل ذلك من قولهم : أفاقت الناقة ، فهي تفيق إفاقة ، وذلك إذا رَدّت ما بين الرضعتين ولدها إلى الرضعة الأخرى ، وذلك أن ترضع البهيمة أمها ، ثم تتركها حتى ينزل شيء من اللبن ، فتلك الإفاقة يقال إذا اجتمع ذلك في الضرع فيقة ، كما قال الأعشى :
حتى إذَا فِيْقَةٌ فِي ضَرْعِها اجْتَمَعَتْ *** جاءَتْ لِتُرْضِعَ شِقّ النّفْسِ لوْ رَضِعا
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وما ينظر هؤلاء} يعني كفار مكة: ما ينظرون بالعذاب.
{إلا صيحة واحدة} النفخة الأولى ليس لها مثنوية، نظيرها في يس: {صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون} [يس:49].
{ما لها من فواق}: ما لها من مرد ولا رجعة.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره:"وَما يَنْظرُ هَؤُلاءِ" المشركون بالله من قُريش "إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً "يعني بالصيحة الواحدة: النفخة الأولى في الصور، "ما لَهَا مِنْ فَوَاقِ" يقول: ما لتلك الصيحة من فيقة، يعني من فتور ولا انقطاع... واختلف أهل التأويل في معنى قوله: "ما لَهَا مِنْ فَوَاقٍ"؛
فقال بعضهم: يعني بذلك: ما لتلك الصيحة من ارتداد ولا رجوع... وقال آخرون: بل معنى ذلك: ما لهؤلاء المشركين بعد ذلك إفاقة ولا رجوع إلى الدنيا... وقال آخرون: الصيحة في هذا الموضع: العذاب. ومعنى الكلام: ما ينتظر هؤلاء المشركون إلا عذابا يهلكهم، لا إفاقة لهم منه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
يخبر عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم ويؤيسه من إيمانهم، أنهم لا يؤمنون إلا عند وقوع العذاب بهم حين لا ينفعهم الإيمان كقوله عز وجل {إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون} {ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم} [يونس: 96/97].
{إلا صيحة واحدة} يحتمل أن يكون سمى نفس العذاب صيحة، وجائز أن يكون ذكر صيحة لما أن العذاب إذا نزل بهم، ووقع عليهم يصيحون، فسمى ذلك صيحة لصياحهم، أو أن يكون ذلك إذا نزل بهم كان فيه صياح وصوت الشيء الهائل العظيم الشديد إذا هوى ووقع ومال إلى الأرض، كان فيه صياح وصوت حتى يفزع الناس منه؛ فعلى ذلك الصيحة التي ذكر.
{ما لها من فواق} قال أبو عبيدة: من فتحها أراد مالها من راحة ولا إفاقة؛ كأنه ذهب إلى إفاقة المريض من علته، ومن ضمها جعلها من فواق الناقة، وهو بين الحلبتين، ويريد: مالها من فواق: انتظار ومكث...
وقال بعضهم: هو مده البصر، يقول: هي أقرب من ذلك كقوله عز وجل: {وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب} [النحل: 99]، وأصل الفواق كأنه من العود والرجوع كعود اللبن إلى الضرع بعدما ما حلب مرة.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
ليسوا ينتظرون إلا القيامة، وما هي إلا صيحة واحدة، وإذا قامت فإنها لا تسكن.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{هؤلاء}... ويجوز أن يكون إشارة إلى جميع الأحزاب لاستحضارهم بالذكر، أو لأنهم كالحضور عند الله...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{ينظر}: ينتظر، وهذا إخبار من الله لرسوله صدقه الوجود، ف «الصيحة» على هذا عبارة عن جميع ما نابهم من قتل وأسر وغلبة، وهذا كما تقول: صاح فيهم الدهر...
بين تعالى أن هؤلاء المكذبين وإن تأخر هلاكهم فكأنه واقع بهم...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان التقدير: فلقد أعقبنا كلاًّ من أولئك الأحزاب لما حق عليهم العقاب بنوع من الأنواع لا شك فيه عند أحد ولا ارتياب، عطف عليه قوله: {وما} ولما كانت قريش في شدة العناد والتصميم على الكفر والاستكبار عن الإذعان للحق وتعاطي جميع أسباب العذاب كأنهم ينتظرونه ويستعجلونه، عبر بما يدل على الانتظار.
ولما كانوا لمعرفتهم بصدق الآتي إليهم والقطع بصحة ما يقول كأنهم يرون العذاب ولا يرجعون، جرد فعل الانتظار فقال: {ينظر} وحقرهم بقوله: {هؤلاء}
{إلا صيحة} وحقر أمرهم بالإشارة إلى أن أقل شيء من عذابه كافٍ في إهلاكهم فقال {واحدة}، ولما كان السياق للتهديد فعلم به أن الوصف بالوحدة للتعظيم، بينه بقوله: {ما لها} أي الصيحة {من فواق} أي مزيد أيّ شيء من جنسها يكون فوقها، يقال: فاق أصحابه فوقاً وفواقاً، علاهم، وقرأه حمزة بالضم فيكون كناية عن سرعة الهلاك بها من غير تأخر أصلاً، فإن الفواق كغراب ما يأخذ المحتضر عند النزاع، والمعنى أنه لا يحتاج في إهلاكهم إلى زيادة على الصيحة الموصوفة لأنه لا صيحة فوقها، ففي ذلك تعظيم أقل شيء من عذابه وتحقير أعلى شيء من أمرهم.
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{وَمَا يَنظُرُ هَؤُلاء}... جعلُه إشارةً إلى الأحزابِ باعتبارِ حضورِهم بحسبِ الذِّكرِ أو حضورِهم في علمِ الله عزَّ وجلَّ فليس في حيِّزِ الاحتمالِ أصلاً كيف لا والانتظار سواءٌ كان حقيقةً أو استهزاءً إنَّما يُتصوَّر في حقِّ من لم يترتب على أعمالِه نتائَجُها بعْد، وبعدَ ما بيّن عقابُ الأحزابِ واستئصالُهم بالمرَّةِ لم يبقَ ممَّا أُريد بيانُه من عقوباتهم أمرٌ منتظرٌ، وإنَّما الذين في مرصدِ الانتظارِ كفَّارُ مكَّةَ حيث ارتكبُوا من عظائمِ الجرائم وكبائرِ الجرائرِ الموجبة لأشدِّ العقوباتِ مثلَ ما ارتكب الأحزابُ أو أشدَّ منه ولمَّا يلاقوا بعد شيئاً من غوائلِها أي وما ينتظُر هؤلاءِ الكَفَرةُ الذين هم أمثالُ أولئك الطَّوائفِ المهلكة في الكُفرِ والتَّكذيبِ {إِلاَّ صَيْحَةً واحدة} هي النَّفخةُ الثَّانيةُ لا بمعنى أنَّ عقابهم نفسُها بما فيها من الشِّدَّةِ والهَوْلِ فإنَّها داهيةٌ يعمُّ هولُها جميعَ الأُممِ برَّهاً وفاجرِها بل بمعنى أنَّه ليس بينهم وبين حلولِ ما أُعدَّ لهم من العقاب الفظيعِ إلاَّ هي حيثُ أُخِّرتْ عقوبتُهم إلى الآخرةِ لما أنَّ تعذيبَهم بالاستئصال حسبما يستحقُّونه، والنَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بين أظهرهم خارجٌ عن السُّنَّةِ الإلهيَّةِ المبنية على الحكم الباهرةِ كما نطقَ به قولُه تعالى: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} [سورة الأنفال، الآية33]، وأمَّا ما قيل: مِن أنَّها النَّفخةُ الأَولى فممَّا لا وجهَ له أصلاً لما أنَّه لا يشاهدُ هولَها ولا يُصعقُ بها إلاَّ من كانَ حيَّاً عند وقوعِها وليس عقابُهم الموعودُ واقعاً عقيبها ولا العذابُ المطَلقُ مؤخَّراً إليها بل يحلُّ بهم من حينِ موتِهم.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{هؤلاء} إشارة إلى كفار قريش لأن تجدد دعوتهم ووعيدهم وتكذيبهم يوماً فيوماً جعلهم كالحاضرين فكانت الإِشارة مفهوماً منها أنها إليهم، وقد تتبعتُ اصطلاح القرآن فوجدتُه إذا استعمل {هؤلاء} ولم يكن معه مشار إليه مذكور: أنه يريد به المشركين من أهل مكة، والمتبادر من الآية أنها تهديد لهم بصيحة صاعقة ونحوها كصيحة ثمود أو صيحة النفخ في الصور التي يقع عندها البعث للجزاء، ولكن ما سبق ذكره آنفاً من أن قوله تعالى: {جُندٌ ما هُنالكَ مهزومٌ منَ الأحزابِ} [ص: 11] إيماءٌ إلى بشارة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن معانديه سيهزمون ويَعمل فيهم السيف يوم بدر، يقتضي أن الصيحة صيحة القتال وهي أن يصيح النذير: يَا صباحاه كما صَاح الصارخ بمكة حين تعرَّض المسلمون لعير قريش ببدر، ووصفها ب {واحِدَةً} إشارة إلى أن الصاعقة عظيمة مهلكة، أو أن النفخة واحدة وهي نفخة الصعق، وفي خفيّ المعنى إيماء إلى أن القوم يبتدرون إلى السلاح ويخرجون مسرعين لإِنقاذ غيرهم فكانت الوقعة العظيمة وقعة يوم بدر أو صيحة المبارزين للقتال يومئذٍ...
وأسند الانتظار إليهم في حين أنهم غافلون عن ذلك ومكذبون بظاهره إسناد مجازي على طريقة المجاز العقلي، فإنهم يَنتظر بهم ذلك المسلمون الموعودون بالنصر، أو ينتظِر بهم الملائكة الموكّلون بحشرهم عند النفخة، فلما كانوا متعلَّق الانتظار أسند فعل {يَنظُرُ} إليهم لملابسة المفعولية على نحو {في عيشةٍ راضية} [الحاقة: 21].