قوله تعالى : { وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ } يخبر عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم ويؤيسه من إيمانهم ، أنهم لا يؤمنون إلا عند وقوع العذاب بهم حين لا ينفعهم الإيمان كقوله عز وجل { إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون } { ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم } [ يونس : 96/97 ] .
ثم قوله عز وجل : { إلا صيحة واحدة } يحتمل أن يكون سمى نفس العذاب صيحة . وجائز أن يكون ذكر صيحة لما أن العذاب إذا نزل بهم ، ووقع عليهم يصيحون ، فسمى ذلك صيحة لصياحهم ، أو أن يكون ذلك إذا نزل بهم كان فيه صياح وصوت الشيء الهائل العظيم الشديد إذا هوى ، ووقع ، ومال إلى الأرض ، كان فيه صياح وصوت حتى يفزع الناس منه .
فعلى ذلك الصيحة التي ذكر يحتمل ما ذكرنا ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ما لها من فواق } قال أبو عبيدة : من فتحها أراد مالها من راحة ولا إفاقة ؛ كأنه ذهب إلى إفاقة المريض من علته . ومن ضمها جعلها من فواق الناقة ، وهو بين الحلبتين ، ويريد : مالها من فواق . أي انتظار ومكث .
وقال أبو عوسجة والقتبي { مالها من فواق } إذ هي دائمة أبدا ، لا تنقطع . وقال الكسائي : الفواق بالنصب والرفع لغتان ، وهو من فواق الناقة بين الحلبتين والرضعتين .
وقال عامة أهل التأويل : { مالها من فواق } أي من مرد ومرجع وقرار . وقال بعضهم : هو مده البصر ، يقول : هي أقرب من ذلك كقوله عز وجل : { وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب } [ النحل : 99 ] والله أعلم .
وأصل الفواق كأنه من العود والرجوع كعود اللبن إلى الضرع بعدما ما حلب مرة ، والله أعلم .
ذكر عن الحسن في قوله عز وجل : { ص والقرآن ذي الذكر } يقول : حادث القرآن بقلبك ، وهو من قول العرب : صاديت الدابة إذا كانت صعبة ، فلاطفتها حتى ذلت ، ولانت .
وقال أبو عوسجة : { ص } هو أشد كلام ، وهو شبه قسم . قال : والصادي في غير هذا الموضع العطشان ، وقوم صادون .
ثم اختلف في موضع جواب القسم : قال الكسائي : من جواب القسم في القرآن ما هو ظاهر ، لا يخفى ، ومنه غامض : فمن ظاهره قوله عز وجل : { فلا أقسم بالخنس } { الجوار الكنس } وجوابه قوله : { إنه لقول رسول كريم } [ التكوير : 15و16و19 ] . ومن غامضه : { ق والقرآن المجيد } قال بعض الناس : موضع جوابه قوله عز وجل : { إن ذلك لحق تخاصم أهل النار } [ ص : 64 ] مع بعد ما بين هذا الكلام وبين القسم في أول السورة والله أعلم .
طال كلام العلماء في جواب هذا القسم حتى بلغ ما نصوا عليه خمسة نصوص ، كلها محتملة إلا هذا الخامس ولكن قسمه ، والله أعلم ، عندي : { ص والقرآن ذي الذكر } ثم اعترض { بل الذين كفروا في عزة وشقاق }وموضع جوابه { كم أهلكنا من قبلهم من قرن } ، معناه : لكم أهلكنا ، إلا أنه لما اعترض بينه وبين القسم قوله : { بل الذين كفروا في عزة وشقاق } حذف لام الجواب وصار قوله { كم أهلكنا } ردا عليه وجوابا له وهو غريب ظريف غامض .
وقوله عز وجل { ذي الذكر } قال بعضهم : ذي الشرف ، أي من أرومته شرف ، وقيل : ذي الشأن . وقيل : { ذي الذكر } فيه ذكر ما يؤتى وما يتقى وذكر من كان قبله من الأمم الخالية .
وقوله عز وجل { في عزة وشقاق } [ الآية : 2 ] قيل : في تكبر وتكذيب ، وقيل : في حمية وخلاف ، وقيل : في غفلة ونحوه . وقوله عز وجل : { فنادوا ولات حين مناص } [ الآية : 3 ] قال بعضهم : أي هربتم في غير وقت الهرب ، ومناص مهرب ، وناص ينوص نوصا ، وهو المنجى والغوث .
وقا القتبي : { ولات حين مناص } أي لات حين مهرب على ما قال أبو عوسجة . وقال : النوص التأخر في كلام العرب والمنوص المتقدم .
وأصله ما ذكرنا أن ذلك الوقت ليس هو وقت المهرب ولا وقت المنجى ولا وقت الغوث على ما تقدم غيره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.