السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَمَا يَنظُرُ هَـٰٓؤُلَآءِ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ مَّا لَهَا مِن فَوَاقٖ} (15)

ثم بين تعالى أن هؤلاء المكذبين وإن تأخر هلاكهم فكأنه واقع بهم فقال تعالى : { وما ينظر } وحقرهم بقوله تعالى : { هؤلاء } أي : وما ينتظر كفار مكة { إلا صيحة واحدة } وهي نفخة الصور الأولى ، كقوله تعالى : { ما ينظرون إلا صيحةً واحدةً تأخذهم وهم يخصّمون ( 49 ) فلا يستطيعون توصية } ( يس : 50 ) الآية والمعنى : أنهم وإن لم يذوقوا عذابي في الدنيا فهو معدٌّ لهم يوم القيامة ، فجعلهم منتظرين لها على معنى قربها منهم كالرجل الذي ينتظر الشيء فهو ماد الطرف إليه يقطع كل ساعة بحضوره ، قيل : المراد بالصيحة عذاب يفجؤهم ويجيئهم دفعة واحدة كما يقال : صاح الزمان بهم إذا هلكوا ، قال الشاعر :

صاح الزمان بآل برمك صيحة *** خروا لشدتها على الأذقان

ونظيره قوله تعالى : { فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم } ( يونس : 102 )

الآية . وقرأ حمزة والكسائي : { ما لها } أي : الصيحة { من فواق } بضم الفاء ، والباقون بفتحها ، وهما لغتان بمعنى واحد وهو الزمان الذي بين حلبتي الحالب ورضعتي الراضع والمعنى : ما لها من توقف قدر فواق ناقة ، وفي الحديث : «العبادة قدر فواق ناقة » وهذا في المعنى كقوله تعالى : { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } ( الأعراف : 34 ) وقال ابن عباس : ما لها من رجوع من أفاق المريض إذا رجع إلى صحته وإفاقة الناقة ساعة يرجع اللبن إلى ضرعها يقال : أفاقت الناقة تفيق إفاقة ، رجعت واجتمعت الفيقة في ضرعها ، والفيقة اللبن الذي يجتمع بين الحلبتين ، وهو أن يحلب الناقة ثم يترك ساعة حتى يجتمع اللبن فما بين الحلبتين فواق أي : العذاب لا يمهلهم بذلك القدر .