فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَا يَنظُرُ هَـٰٓؤُلَآءِ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ مَّا لَهَا مِن فَوَاقٖ} (15)

{ وَمَا يَنظُرُ هَؤُلآء إِلاَّ صَيْحَةً واحدة } أي ما ينتظرون إلا صيحة ، وهي : النفخة الكائنة عند قيام الساعة . وقيل : هي النفخة الثانية ، وعلى الأوّل المراد : من عاصر نبينا صلى الله عليه وسلم من الكفار ، وعلى الثاني المراد : كفار الأمم المذكورة ، أي : ليس بينهم ، وبين حلول ما أعدّ الله لهم من عذاب النار إلا أن ينفخ في الصور النفخة الثانية .

وقيل : المراد بالصيحة : عذاب يفجؤهم في الدنيا كما قال الشاعر :

صاح الزمان بآل برمك صيحة *** خرّوا لشدّتها على الأذقان

وجملة : { مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } في محل نصب صفة لصيحة . قال الزجاج : فواق ، وفواق بفتح الفاء وضمها أي ما لها من رجوع ، والفواق ما بين حلبتي الناقة ، وهو مشتقّ من الرجوع أيضاً ، لأنه يعود اللبن إلى الضرع بين الحلبتين ، وأفاق من مرضه ، أي رجع إلى الصحة ، ولهذا قال مجاهد ، ومقاتل : إن الفواق الرجوع . وقال قتادة : ما لها من مثنوية . وقال السدّي : ما لها من إفاقة ، وقيل : ما لها من مردّ . قال الجوهري : ما لها من نظرة ، وراحة وإفاقة ، ومعنى الآية : أن تلك الصيحة هي ميعاد عذابهم ، فإذا جاءت لم ترجع ، ولا تردّ عنهم ، ولا تصرف منهم ، ولا تتوقف مقدار فواق ناقة ، وهي ما بين حلبتي الحالب لها ، ومنه قول الأعشى :

حتى إذا فيقة في ضرعها اجتمعت *** جاءت لترضع شقّ النفس لو رضعا

والفيقة : اسم اللبن الذي يجتمع بين الحلبتين ، وجمعها فيق وأفواق . قرأ حمزّة والكسائي : { ما لها من فواق } بضم الفاء ، وقرأ الباقون بفتحها . قال الفراء ، وأبو عبيدة : الفواق بفتح الفاء : الراحة ، أي : لا يفيقون فيها كما يفيق المريض ، والمغشيّ عليه ، وبالضم الانتظار .

/خ25