معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (28)

قوله تعالى : { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً } على أنك نبي صادق فيما تخبر .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (28)

وهكذا صدقت رؤيا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وتحقق وعد الله . ثم كان الفتح في العام الذي يليه . وظهر دين الله في مكة . ثم ظهر في الجزيرة كلها بعد . ثم تحقق وعد الله وبشراه الأخيرة حيث يقول :

هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، وكفى بالله شهيدا . .

فلقد ظهر دين الحق ، لا في الجزيرة وحدها ، بل ظهر في المعمور من الأرض كلها قبل مضي نصف قرن من الزمان . ظهر في امبراطورية كسرى كلها ، وفي قسم كبير من امبراطورية قيصر ، وظهر في الهند وفي الصين ، ثم في جنوب آسيا في الملايو وغيرها ، وفي جزر الهند الشرقية " أندونيسيا " . . وكان هذا هو معظم المعمور من الأرض في القرن السادس ومنتصف القرن السابع الميلادي .

وما يزال دين الحق ظاهرا على الدين كله - حتى بعد انحساره السياسي عن جزء كبير من الأرض التي فتحها ، وبخاصة في أوربا وجزر البحر الأبيض . وانحسار قوة أهله في الأرض كلها بالقياس إلى القوى التي ظهرت في الشرق والغرب في هذا الزمان .

أجل ما يزال دين الحق ظاهرا على الدين كله ، من حيث هو دين . فهو الدين القوي بذاته ، القوي بطبيعته ، الزاحف بلا سيف ولا مدفع من أهله ! لما في طبيعته من استقامة مع الفطرة ومع نواميس الوجود الأصلية ؛ ولما فيه من تلبية بسيطة عميقة لحاجات العقل والروح ، وحاجات العمران والتقدم ، وحاجات البيئات المتنوعة ، من ساكني الأكواخ إلى سكان ناطحات السحاب !

وما من صاحب دين غير الإسلام ، ينظر في الإسلام نظرة مجردة من التعصب والهوى حتى يقر باستقامة هذا الدين وقوته الكامنة ، وقدرته على قيادة البشرية قيادة رشيدة ، وتلبية حاجاتها النامية المتطورة في يسر واستقامة . . ( وكفى بالله شهيدا ) . .

فوعد الله قد تحقق في الصورة السياسية الظاهرة قبل مضي قرن من الزمان بعد البعثة المحمدية . ووعد الله ما يزال متحققا في الصورة الموضوعية الثابتة ؛ وما يزال هذا الدين ظاهرا على الدين كله في حقيقته . بل إنه هو الدين الوحيد الباقي قادرا على العمل ، والقيادة ، في جميع الأحوال .

ولعل أهل هذا الدين هم وحدهم الذين لا يدركون هذه الحقيقة اليوم ! فغير أهله يدركونها ويخشونها ، ويحسبون لها في سياساتهم كل حساب !