معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِذۡ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَلۡزَمَهُمۡ كَلِمَةَ ٱلتَّقۡوَىٰ وَكَانُوٓاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهۡلَهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (26)

قوله عز وجل : { إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية } حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت ، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم ، وأنكروا محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والحمية : الأنفة ، يقال : فلان ذو حمية إذا كان ذا غضب وأنفة . قال مقاتل : قال أهل مكة : قد قتلوا آباءنا وإخواننا ثم يدخلون علينا ، فتتحدث العرب أنهم دخلوا علينا على رغم أنفنا ، واللات والعزى لا يدخلونها علينا ، فهذه ( حمية الجاهلية ) ، التي دخلت قلوبهم . { فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين } حتى لم يدخلهم ما دخلهم من الحمية فيعصوا الله في قتالهم ، { وألزمهم كلمة التقوى } قال ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وعكرمة ، والسدي ، وابن زيد ، وأكثر المفسرين : كلمة التقوى لا إله إلا الله . وروي عن أبي بن كعب مرفوعاً . وقال علي وابن عمر : " كلمة التقوى لا إله إلا الله والله أكبر . وقال عطاء بن أبي رباح : هي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير . وقال عطاء الخراساني : هي لا إله إلا الله محمد رسول الله . وقال الزهري : هي بسم الله الرحمن الرحيم { وكانوا أحق بها } من كفار مكة ، { وأهلها } أي : وكانوا أهلها في علم الله ، لأن الله تعالى اختار لدينه وصحبة نبيه أهل الخير . { وكان الله بكل شيء عليماً }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِذۡ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَلۡزَمَهُمۡ كَلِمَةَ ٱلتَّقۡوَىٰ وَكَانُوٓاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهۡلَهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (26)

18

ويمضي في وصف الذين كفروا . وصف نفوسهم من الداخل . بعد تسجيل صفتهم وعملهم الظاهر :

( إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ) . .

حمية لا لعقيدة ولا لمنهج . إنما هي حمية الكبر والفخر والبطر والتعنت . الحمية التي جعلتهم يقفون في وجه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ومن معه ، يمنعونهم من المسجد الحرام ، ويحبسون الهدي الذي ساقوه ، أن يبلغ محله الذي ينحر فيه . مخالفين بذلك عن كل عرف وعن كل عقيدة . كي لا تقول العرب ، إنه دخلها عليهم عنوة . ففي سبيل هذه النعرة الجاهلية يرتكبون هذه الكبيرة الكريهة في كل عرف ودين ؛ وينتهكون حرمة البيت الحرام الذي يعيشون على حساب قداسته ؛ وينتهكون حرمة الأشهر الحرم التي لم تنتهك في جاهلية ولا إسلام ! وهي الحمية التي بدت في تجبيههم لكل من أشار عليهم - أول الأمر - بخطة مسالمة ، وعاب عليهم صد محمد ومن معه عن بيت الله الحرام . وهي كذلك التي تبدت في رد سهيل بن عمرو لاسم الرحمن الرحيم ، ولصفة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في أثناء الكتابة . وهي كلها تنبع من تلك الجاهلية المتعجرفة المتعنتة بغير حق .

وقد جعل الله الحمية في نفوسهم على هذا النحو الجاهلي ، لما يعلمه في نفوسهم من جفوة عن الحق والخضوع له . فأما المؤمنون فحماهم من هذه الحمية . وأحل محلها السكينة ، والتقوى :

( فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين . وألزمهم كلمة التقوى . وكانوا أحق بها وأهلها ) . .

والسكينة الوقورة الهادئة ، كالتقوى المتحرجة المتواضعة كلتاهما تليق بالقلب المؤمن الموصول بربه ، الساكن بهذه الصلة . المطمئن بما فيه من ثقة . المراقب لربه في كل خالجة وكل حركة ، فلا يتبطر ولا يطغى ؛ ولا يغضب لذاته ، إنما يغضب لربه ودينه . فإذا أمر أن يسكن ويهدأ خشع وأطاع . في رضى وطمأنينة .

ومن ثم كان المؤمنون أحق بكلمة التقوى ، وكانوا أهلها . وهذا ثناء آخر من ربهم عليهم . إلى جانب الامتنان عليهم بما أنزل على قلوبهم من سكينة ، وما أودع فيها من تقوى . فهم قد استحقوها في ميزان الله ، وبشهادته ؛ وهو تكريم بعد تكريم ، صادر عن علم وتقدير :

( وكان الله بكل شيء عليما ) . .