معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَتۡ فَذَٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمۡتُنَّنِي فِيهِۖ وَلَقَدۡ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ فَٱسۡتَعۡصَمَۖ وَلَئِن لَّمۡ يَفۡعَلۡ مَآ ءَامُرُهُۥ لَيُسۡجَنَنَّ وَلَيَكُونٗا مِّنَ ٱلصَّـٰغِرِينَ} (32)

قوله تعالى : { قالت } ، يعني : راعيل ، { فذلكن الذي لمتنني فيه } ، أي : في حبه ، ثم صرحت بما فعلت ، فقالت : { ولقد راودته عن نفسه فاستعصم } ، أي : فامتنع ، وإنما صرحت به لأنها علمت أنه لا ملامة عليها منهم وقد أصابهن ما أصابها من رؤيته ، فقلن له : أطع مولاتك . فقالت راعيل : { ولئن لم يفعل ما آمره } ، ولئن لم يطاوعني فيما دعوته إليه ، { ليسجنن } ، أي : ليعاقبن بالحبس ، { وليكونا من الصاغرين } ، من الأذلاء . ونون التوكيد تثقل وتخفف ، والوقف على قوله : { ليسجنن } بالنون لأنها مشددة ، وعلى قوله { وليكونا } بالألف لأنها مخففة ، وهي شبيهة بنون الإعراب في الأسماء ، كقوله تعالى : رأيت رجلا ، وإذا وقفت ، قلت : رأيت رجلان بالألف ، ومثله : { لنسفعا بالناصية * ناصية } [ العلق-15 ، 16 ] . فاختار يوسف عليه السلام السجن على المعصية حين توعدته المرأة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَتۡ فَذَٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمۡتُنَّنِي فِيهِۖ وَلَقَدۡ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ فَٱسۡتَعۡصَمَۖ وَلَئِن لَّمۡ يَفۡعَلۡ مَآ ءَامُرُهُۥ لَيُسۡجَنَنَّ وَلَيَكُونٗا مِّنَ ٱلصَّـٰغِرِينَ} (32)

فلما تقرر عندهن جمال يوسف الظاهر ، وأعجبهن غاية ، وظهر منهن من العذر لامرأة العزيز ، شيء كثير - أرادت أن تريهن جماله الباطن بالعفة التامة فقالت معلنة لذلك ومبينة لحبه الشديد غير مبالية ، ولأن اللوم انقطع عنها من النسوة : { وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ } أي : امتنع وهي مقيمة على مراودته ، لم تزدها مرور الأوقات إلا قلقا ومحبة وشوقا لوصاله وتوقا .

ولهذا قالت له بحضرتهن : { وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ } لتلجئه بهذا الوعيد إلى حصول مقصودها منه ، فعند ذلك اعتصم يوسف بربه ، واستعان به على كيدهن

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَتۡ فَذَٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمۡتُنَّنِي فِيهِۖ وَلَقَدۡ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ فَٱسۡتَعۡصَمَۖ وَلَئِن لَّمۡ يَفۡعَلۡ مَآ ءَامُرُهُۥ لَيُسۡجَنَنَّ وَلَيَكُونٗا مِّنَ ٱلصَّـٰغِرِينَ} (32)

الفاء في { فذلكن } فاء الفصيحة ، أي إن كان هذا كما زعمتُنّ ملكاً فهو الذي بلَغكن خبره فلمتنني فيه .

و { لمتنني فيه } ( في ) للتعليل ، مثل " دخلت امرأةٌ النار في هرة " . وهنالك مضاف محذوف ، والتقدير : في شأنه أو في محبته .

والإشارة ب ( ذلكن ) لتمييز يوسف عليه السّلام ، إذ كُنّ لم يرينَه قبلُ . والتعبير عنه بالموصولية لعدم علم النسوة بشيء من معرّفاته غير تلك الصلة ، وقد باحت لهن بأنها راودته لأنها رأت منهن الافتتان به فعلمت أنهن قد عذرنها . والظاهر أنهن كن خلائل لها فلم تكتم عنهن أمرها .

واستعصم : مبالغة في عصم نفسه ، فالسين والتاء للمبالغة ، مثل : استمسك واستجمع الرأي واستجاب . فالمعنى : أنه امتنع امتناع معصوم ، أي جَاعلاً المراودة خطيئة عصم نفسه منها .

ولم تزل مصممة على مراودته تصريحاً بفرط حبها إياه ، واستشماخاً بعظمتها ، وأن لا يعصي أمرها ، فأكدت حصول سجنه بنوني التوكيد ، وقد قالت ذلك بمسمع منه إرهاباً له .

وحذف عائد صلة { ما آمره } وهو ضمير مجرور بالباء على نزع الخافض مثل : أمرتك الخير . . .

والسجن بفتح السين : قياس مصدر سجَنه ، بمعنى الحبس في مكان محيط لا يخرج منه . ولم أره في كلامهم بفتح السين إلا في قراءة يعقوب هذه الآية . والسجن بكسر السين : اسم للبيت الذي يسجن فيه ، كأنهم سموه بصيغة المفعول كالذبح وأرادوا المسجون فيه . وقد تقدم قولها آنفاً : { إلا أن يُسجن أو عذابٌ أليم } [ سورة يوسف : 25 ] .

والصاغر : الذليل . وتركيب { من الصاغرين } أقوى في معنى الوصف بالصّغار من أن يقال : وليكونن صاغراً ، كما تقدم عند قوله تعالى : { قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين } في سورة البقرة ( 67 ) ، وقوله : { وكونوا مع الصادقين } في آخر سورة براءة ( 119 ) .

وإعداد المُتّكأ لهن ، وبَوحُها بسرّها لهن يدل على أنهن كن من خلائلها .