فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَتۡ فَذَٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمۡتُنَّنِي فِيهِۖ وَلَقَدۡ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ فَٱسۡتَعۡصَمَۖ وَلَئِن لَّمۡ يَفۡعَلۡ مَآ ءَامُرُهُۥ لَيُسۡجَنَنَّ وَلَيَكُونٗا مِّنَ ٱلصَّـٰغِرِينَ} (32)

{ قالت فذلكن الذي لمتنني فيه } الإشارة إلى يوسف والخطاب للنسوة أي عيرتنني فيه قالت لهن هذا لما رأت افتتانهن بيوسف إظهارا لعذر نفسها ومعنى فيه في حبه وقيل الإشارة إلى الحب فالضمير له والمعنى فذلك الحب الذي لمتنني فيه هو ذلك الحب والأول أولى ورجحه ابن جرير .

ويجوز أن يكون إشارة إلى المعنى بقولهن عشقت عبدها الكنعاني تقول هو ذاك العبد الذي صورتن في أنفسكن ثم لمتنني فيه ، قال الزمخشري : قالت فذلكن ولم تقل هذا وهو حاضر رفعا لمنزلته في الحسن واستحقاق أن يحب ويفتتن به فلام البعد هنا لتعظيم رتبته أو لبعد رتبته وحالته عن رتبة البشر وأصل اللوم الوصف بالقبيح وما أحسن اقتباس السيد غلام علي آزاد رحمه الله تعالى من هذه الآية في قوله :

أيا صواحب أكباد مقطعة فذلكن الذي لمتنني فيه .

ثم لما أظهرت عذر نفسها عند النسوة بما شاهدناه مما وقعن فيه عند ظهوره لهن ضاق صدرها عن كتم ما تجده في قلبها من حبه فأقرت بذلك وصرحت بما وقع منها من المراودة له فقالت :

{ ولقد } اللام لام قسم { راودته عن نفسه فاستعصم } أي استعف وامتنع واستعصى مما أريده طالبا لعصمة نفسه عن ذلك وإنما صرحت بذلك لأنها علمت أنه لا ملامة عليها منهن وأنهن قد أصابهن ما أصابها عند رؤيته ثم توعدته إن لم يفعل ما تريده منه كاشفة لجلباب الحياء هاتكة لستر العفاف فقالت :

{ ولئن } لام قسم { لم يفعل ما آمره } أي ما قد أمرته فيما تقدم ذكره عند أن أغلقت الأبواب وقالت هيت لك { ليسجنن } أي ليعتقل في السجن { وليكونا من الصاغرين } من صغر بكسر الغين يصغر صغرا وصغارا والصغير من صغر بالضم صغرا أي من الأذلاء لما يناله من الإهانة ويسلب عنه النعمة والعزة في زعمها فلما سمع يوسف مقالتها هذه عرف أنها عزمة منها ومع ما قد علمه من نفاذ قولها عند زوجها العزيز .