معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَأَكَلَا مِنۡهَا فَبَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۚ وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ} (121)

قوله تعالى : { فأكلا } يعني : آدم وحواء عليهما السلام ، { منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه } يعني : فعل ما لم يكن له فعله . وقيل : أخطأ طريق الحق وضل حيث طلب الخلد بأكل ما نهي عن أكله ، فخاب ولم ينل مراده . وقال ابن الأعرابي : أي فسد عليه عيشه ، وصار من العز إلى الذل ، ومن الراحة إلى التعب . قال ابن قتيبة : يجوز أن يقال عصى آدم ، ولا يجوز أن يقال : آدم عاص ، لأنه إنما يقال عاص لمن اعتاد فعل المعصية ، كالرجل يخيط ثوبه يقال : خاط ثوبه ، ولا يقال هو خياط حتى يعاود ذلك ويعتاده .

حدثنا أبو الفضل زياد بن محمد الحنفي ، أخبرنا أبو معاذ الشاه عبد الرحمن المزني ، أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري ببغداد ، أنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي ، أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار ، عن طاوس سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احتج آدم وموسى : فقال موسى : يا آدم أنت أبونا وأخرجتنا من الجنة ، فقال آدم : يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده ، أفتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة ، فحج آدم موسى " . ورواه عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة وزاد : " قال آدم : يا موسى بكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق ؟ قال موسى : بأربعين عاماً ، قال آدم : فهل وجدت فيها : وعصى آدم ربه فغوى ؟ قال : نعم ، قال : أفتلومني على أن عملت عملاً كتبه الله على أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فحج آدم موسى " .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَأَكَلَا مِنۡهَا فَبَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۚ وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ} (121)

وأكلا من الشجرة فسقط في أيديهما ، وسقطت كسوتهما ، واتضحت معصيتهما ، وبدا لكل منهما سوأة الآخر ، بعد أن كانا مستورين ، وجعلا يخصفان على أنفسهما من ورق أشجار الجنة ليستترا بذلك ، وأصابهما من الخجل ما الله به عليم .

{ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى } فبادرا إلى التوبة والإنابة ، وقالا : { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَأَكَلَا مِنۡهَا فَبَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۚ وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ} (121)

تفريع على ما قبله وثمّ جملة محذوفة دل عليها العرض ، أي فعمل آدم بوسوسة الشيطان فأكل من الشجرة وأكلت حواء معه .

واقتصار الشيطان على التسويل لآدم وهو يريد أن يأكل آدم وحواء ، لعلمه بأن اقتداء المرأة بزوجها مركوز في الجبلة . وتقدم معنى { فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة } في سورة الأعراف ( 22 ) .

وقوله وعصى آدم ربه } عطف على { فأكلا منها } ، أي أكلا معاً ، وتعمد آدم مخالفة نهي الله تعالى إياه عن الأكل من تلك الشجرة . وإثبات العصيان لآدم دون زوجه يدل على أن آدم كان قدوة لزوجه فلما أكل من الشجرة تبعته زوجه ، وفي هذا المعنى قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً } [ التحريم : 6 ] .

والغواية : ضدّ الرشد ، فهي عمل فاسد أو اعتقاد باطل ، وإثبات العصيان لآدم دليل على أنه لم يكن يومئذ نبيئاً ، ولأنّه كان في عالم غير عالم التكليف وكانت الغواية كذلك ، فالعصيان والغواية يومئذ : الخروج عن الامتثال في التربية كعصيان بعض العائلة أمرَ كبيرها ، وإنما كان شنيعاً لأنّه عصيان أمر الله . !

وليس في هذه الآية مستند لتجويز المعصية على الأنبياء ولا لِمنعها ، لأنّ ذلك العالَم لم يكن عالَم تكليف .