معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَّهُۥ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (63)

قوله تعالى : { له مقاليد السماوات والأرض } يعني : مفاتيح خزائن السماوات والأرض ، واحدها مقلاد ، مثل مفتاح ، ومقليد مثل منديل ومناديل ، وقال قتادة ومقاتل : مفاتيح السماوات والأرض بالرزق ، والرحمة ، وقال الكلبي : خزائن المطر ، وخزائن النبات { والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَّهُۥ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (63)

{ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي : مفاتيحها ، علما وتدبيرا ، ف { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } فلما بين من عظمته ما يقتضي أن تمتلئ القلوب له إجلالا وإكراما ، ذكر حال من عكس القضية فلم يقدره حق قدره ، فقال : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ } الدالة على الحق اليقين والصراط المستقيم . { أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } خسروا ما به تصلح القلوب من التأله والإخلاص للّه ، . وما به تصلح الألسن من إشغالها بذكر اللّه ، وما تصلح به الجوارح من طاعة اللّه ، . وتعوضوا عن ذلك كل مفسد للقلوب والأبدان ، وخسروا جنات النعيم ، وتعوضوا عنها بالعذاب الأليم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَّهُۥ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (63)

الجملة الثالثة : { لَهُ مقَاليدُ السمواتِ والأرض } وجيء بها مفصولة لأنها تفيد بيان الجملة التي قبلها فإن الوكيل على شيء يكون هو المتصرف في العطاء والمنع .

والمقاليد : جمع إِقليد بكسر الهمزة وسكون القاف وهذا جمع على غير قياس ، وإقليد قيل معرب عن الفارسية ، وأصله ( كليد ) قيل من الرومية وأصله ( اقليدس ) وقيل كلمة يمانية وهو مما تقاربت فيه اللغات وهي كناية عن حفظ ذخائرها ، فذخائر الأرض عناصرها ومعادنها وكيفيات أجوائها وبحارها ، وذخائرُ السماوات سَير كواكبها وتصرفات أرواحها في عوالمها وعوالمنا وما لا يعلمه إلا الله تعالى . ولما كانت تلك العناصر والقُوى شديدة النفع للناس وكان الناس في حاجة إليها شبهت بنفائس المخزونات فصحّ أيضاً أن تكون المقاليد استعارة مكنية ، وهي أيضاً استعارة مصرحة للأمر الإِلهي التكويني والتسخيري الذي يُفيض به على الناس من تلك الذخائر المدَّخَرة كقوله تعالى : { وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم } [ الحجر : 21 ] .

وهذه المقدمة تشير إلى أن الله هو معطي ما يشاء لمن يشاء من خلقه ، ومن أعظم ذلك النبوءة وهديُ الشريعة فإن جهل المشركين بذلك هو الذي جرَّأَهم على أن أنكروا اختصاص محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة دونهم ، واختصاص أتباعه بالهُدى فقالوا : { أهؤلاء مَنَّ الله عليهم مِنْ بيننا } [ الأنعام : 53 ] . فهذه الجمل اشتملت على مقدمات ثلاث تقتضي كل واحدة منها دلالة على وحدانية الله بالخلق ، ثم بالتصرف المطلق في مخلوقاته ، ثم بوضع النظم والنواميس الفطرية والعقلية والتهذيبية في نظام العالم وفي نظام البشر . وكل ذلك موجب توحيده وتصديقَ رسوله صلى الله عليه وسلم والاستمساك بعروته كما رَشد بذلك أهل الإِيمان .

فأما الجملة الرابعة وهي : { والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون } فتحتمل الاعتراض ولكن اقترانها بالواو بعد نظائرها يرجح أن تكون الواو فيها عاطفة وأنها مقصودة بالعطف على ما قبلها لأن فيها زيادة على مفاد الجملة قبلها ، وتكون مقدمة رابعة للمقصود تجهيلاً للذين هم ضد المقصود من المقدمات فإن الاستدلال على الحق بإبطال ضده ضرب من ضروب الاستدلال . لأن الاستدلال يعود إلى ترغيب وتنفير فإذا كان الذين كفروا بآيات الله خاسرين لا جرم كان الذين آمنوا بآيات الله هم الفائزين ، فهذه الجملة تقابل جملة { وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم } [ الزمر : 61 ] المنتقل منها إلى هؤلاء الآيات ، وهي مع ذلك مفيدة إنذارهم وتأفين آرائهم ، لأن موقعها بعدَ دلائل الوحدانية وهي آيات دالّة على أن الله واحد يقتضي التنديدَ عليهم في عدم الاهتداء بها .

ووُصف { الذين كفروا بآيات الله } بأنهم الخاسرون لأنهم كفروا بآيات مَن له مقاليد خزائن الخير فعرَّضوا أنفسهم للحرمان مما في خزائنه وأعظمها خزائن خير الآخرة .

وآيات الله هي دلائل وجوده ووحدانيتِه التي أشارت إليها الجمل الثلاث السابقة .

والإِخبار عن الذين كفروا باسم الإِشارة للتنبيه عن أن المشار إليهم خسروا لأجْللِ ما وصفوا به قبلَ اسممِ الإِشارة وهو الكفر بآيات الله . وتوسطُ ضمير الفصل لإِفادة حصر الخسارة فِيهم وهو قصر ادعائي بناء على عدم الاعتداد بخسارة غيرهم بالنسبة إلى خسارتهم فخسارتهم أعظم خسارة .