اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَّهُۥ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (63)

قوله : { لَّهُ مَقَالِيدُ السماوات والأرض } «له مقاليد » جملة مستأنفة{[47650]} ، والمقاليد جمع مِقْلاَد أو مقْليد ، ولا واحد له من لفظه كأساطير وإخوته ، ويقال أيضاً إقليد وأقاليد وهي المفاتيح ، والكلمة فارسية معربة{[47651]} . وفي هذا الكلام استعارة بديعة نحو قولك : بيد فلان مفتاح هذا الأمر{[47652]} ، وليس ثم مفتاح ، وإنما هو عبارة عن شدة تمكنه من ذلك الشيء .

قال الزمخشري : قيل سأل عثمانُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن تفسير قوله : «له مقاليد السموات والأرض » فقال : يا عثمان ما سألني عنها أحد قبلك تفسيرها لا إله إلا الله ، والله أكبر وسبحان الله وبحمده ( و ){[47653]} أستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وهو الأول والآخر والظاهر والباطن بيده الخير يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير{[47654]} .

وقال قتادة ومقاتل : مفاتيح السموات والأرض بالرزق والرحمة ، وقال الكلبي خزائن المطر والنبات{[47655]} .

قوله : { والذين كَفَرُواْ بِآيَاتِ الله أولئك هُمُ الخاسرون } وهذا يقتضي أنه لا خاسر إلا الكافر وأن من لم يكن كافراً فإنه لا بد وأن يحصل له حظ من رحمة الله . قال الزمخشري : فإن قلت : بِمَ اتصل قوله «والذين كفروا بآيات الله » بقوله «له مقاليد السموات والأرض » ؟ قلت : إنه اتصل بقوله :

{ وَيُنَجِّي الله الذين اتقوا } [ الزمر : 16 ] أي ينجي الله المتقين بمفازتهم ، والذين كفروا هم الخَاسِرون واعترض ما بينهما أنه خالق الأشياء كلها{[47656]} وأنه له مقاليد السموات والأرض .

قال ابن الخطيب : وهذا عندي ضعيف من وجهين :

الأول : أن وقوع الفصل الكثير بين المعطوف والمعطوف عليه بعيد .

الثاني : أن قوله : { وَيُنَجِّي الله الذين اتقوا } [ الزمر : 61 ] ( جملة فعلية ) ، {[47657]} وقوله : { والذين كَفَرُواْ بِآيَاتِ الله أولئك هُمُ الخاسرون } جملة اسمية وعطف الجملة الاسمية على الجملة الفعلية لا يجوز{[47658]} .

قال شهاب الدين : وهذا الاعتراض معترض إذ لا مانع من ذلك{[47659]} .

ثم قال ابن الخطيب : بل الأقرب عندي أن يقال : إنه لما وصف الله تعالى بصفات الإلهية{[47660]} والجلالة وهو كونه خالقا للأشياء كلها وكونه مالكاً لمقاليد السموات والأرض بأسرها قال بعده : «والذين كفروا بآيات الله » الظاهرة الباهرة هم الخاسرون .


[47650]:الدر المصون 4/661.
[47651]:قال بهذا الزمخشري في الكشاف 3/406 ونقله السمين في الدر 4/661 وفي اللسان: والمقلد مفتاح كالمنجل وقيل: الإقليد معرب وأصله كليد. وأبو الهيثم: الإقليد المفتاح وهو المقليد، والإقليد المفتاح يمانية والمقلد والإقلاد كالإقليد ["قلد" 3717 و 3718] وانظر: الخصائص 1/91 والمعرب للجواليقي (20).
[47652]:الدر المصون 4/661.
[47653]:زيادة من ب موافقة للكشاف.
[47654]:الكشاف 3/407.
[47655]:قاله البغوي في معالم التنزيل 6/83.
[47656]:في الكشاف: وهو مهيمن عليها فلا يخفى عليه شيء من أعمال المكلفين فيها وما يستحقون عليها من الجزاء.
[47657]:سقط من ب دون الرازي و "أ".
[47658]:تفسير الرازي 27/13.
[47659]:هذا اعتراض السمين في الدر 4/661.
[47660]:في ب الهيبة.