الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{لَّهُۥ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (63)

{ لَّهُ مَقَالِيدُ السماوات والأرض } أي هو مالك أمرها وحافظها ، وهو من باب الكناية ؛ لأنّ حافظ الخزائن مدبر أمرها هو الذي الذي يملك مقاليدها ، ومنه قولهم : فلان ألقيت إليه مقاليد الملك وهي مفاتيح ، ولا واحد لها من لفظها . وقيل : مقليد . ويقال : إقليد وأقاليد ، والكلمة أصلها فارسية .

فإن قلت : ما للكتاب العربي المبين وللفارسية ؟ قلت : التعريب أحالها عربية ، كما أخرج الاستعمال المهمل من كونه مهملاً .

فإن قلت : بما اتصل قوله : { والذين كَفَرُواْ } قلت : بقوله : { وَيُنَجِّى الله الذين اتقوا } أي ينجي الله المتقين بمفازتهم ، والذين كفروا هم الخاسرون . واعتراض بينهما بأنه خالق الأشياء كلها . وهو مهيمن عليها فلا يخفى عليه شيء من أعمال المكلفين فيها وما يستحقون عليها من الجزاء ، وقد جعل متصلاً بما يليه على أن كل شيء في السموات والأرض فالله خالقه وفاتح بابه والذين كفروا وجحدوا أن يكون الأمر كذلك أولئك هم الخاسرون وقيل : سأل عثمان رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير قوله تعالى : { لَّهُ مَقَالِيدُ السماوات والأرض } ، فقال : « يا عثمان ، ما سألني عنها أحد قبلك ، تفسيرها : لا إله إلاّ الله والله أكبر ، وسبحان الله وبحمده ، وأستغفر الله ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن بيده الخير يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير » وتأويله على هذا ؛ أن لله هذه الكلمات يوحد بها ويمجد ، وهي مفاتيح خير السموات والأرض ، من تكلم بها من المتقين أصابه ، والذين كفروا بآيات الله وبكلمات توحيده وتمجيده ، أولئك هم الخاسرون .