{ فمن يعمل مثقال ذرة } وزن نملة صغيرة أصغر ما يكون من النمل . { خيراً يره . }
{ ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } قال ابن عباس : ليس مؤمن ولا كافر عمل خيراً أو شراً في الدنيا إلا أراه الله له يوم القيامة ، فأما المؤمن فيرى حسناته ويثيبه بحسناته ، وأما الكافر فيرى حسناته ويعذب بسيئاته . قال محمد بن كعب في الآية { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره } من كافر يرى ثوابه في الدنيا في نفسه وماله وأهله وولده ، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله خير ، { ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } من مؤمن يرى عقوبته في الدنيا في نفسه وماله وأهله وولده ، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله شر . قال مقاتل : نزلت هذه الآية في رجلين ، وذلك أنه لما نزل { ويطعمون الطعام على حبه }( الدهر-8 ) كان أحدهما يأتيه السائل فيستقل أن يعطيه التمرة والكسرة والجوزة ونحوها ، يقول : ما هذا بشيء ، إنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه ، وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير كالكذبة والغيبة والنظرة وأشباه ذلك ، ويقول : إنما وعد الله النار على الكبائر ، وليس هذا بإثم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية يرغبهم في القليل من الخير أن يعطوه ، فإنه يوشك أن يكثر ، ويحذرهم اليسير من الذنب ، فإنه يوشك أن يكثر ، فالإثم الصغير في عين صاحبه أعظم عند الله من الجبال يوم القيامة ، وجميع محاسنه أقل من كل شيء . قال ابن مسعود : أحكم آية في القرآن { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميها الجامعة الفاذة حين سئل عن زكاة الحمير فقال : " ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } " . وتصدق عمر ابن الخطاب وعائشة بحبة عنب ، وقالا : فيها مثاقيل كثيرة .
وقال الربيع بن خثيم : مر رجل بالحسن وهو يقرأ هذه السورة فلما بلغ آخرها قال : حسبي قد انتهت الموعظة .
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا محمد ابن القاسم ، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله ، حدثنا الحسين بن سفيان ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا اليمان بن المغيرة ، وحدثنا عطاء عن ابن عباس قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا زلزلت الأرض } تعدل نصف القرآن ، { قل هو الله أحد } تعدل ثلث القرآن ، { قل يا أيها الكافرون } تعدل ربع القرآن " .
{ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } وهذا شامل عام للخير .
{ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ }والشر كله ؛ لأنه إذا رأى مثقال الذرة التي هي أحقر الأشياء ، [ وجوزي عليها ] فما فوق ذلك من باب أولى وأحرى ، كما قال تعالى : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا } { وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا }
وهذه الآية فيها غاية الترغيب في فعل الخير ولو قليلًا ، والترهيب من فعل الشر ولو حقيرًا .
تفريع على قوله : { ليروا أعمالهم } [ الزلزلة : 6 ] تفريع الفذلكة ، انتقالاً للترغيب والترهيب بعد الفراغ من إثبات البعث والجزاء ، والتفريعُ قاض بأن هذا يكون عقب ما يصدر الناس أشتاتاً .
والمثقال : ما يعرف به ثِقَل الشيء ، وهو ما يُقَدَّر به الوزن وهو كميزاننٍ زِنةً ومعْنًى .
والذّرة : النملة الصغيرة في ابتداء حياتها .
و { مثقال ذرة } مثَل في أقل القلة وذلك للمؤمنين ظاهر وبالنسبة إلى الكافرين فالمقصود ما عملوا من شر ، وأما بالنسبة إلى أعمالهم من الخير فهي كالعدم فلا توصف بخير عند الله لأن عمل الخير مشروط بالإِيمان قال تعالى : { والذين كفروا أعمالهم كسراب بِقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً } [ النور : 39 ] .
وإنما أعيد قوله : { ومن يعمل } دون الاكتفاء بحرف العطف لتكون كل جملة مستقلة الدلالة على المراد لتختص كل جملة بغرضها من الترغيب أو الترهيب فأهمية ذلك تقتضي التصريح والإِطناب .
وهذه الآية معدودة من جوامع الكلم وقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالجامعة الفاذة ففي « الموطأ » أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الخيلُ لثلاثة " الحديث . فسُئل عن الحُمُر فقال : لم يُنْزَل عَليَّ فيها إلا هذه الآية الجامعة الفاذَّة : { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } . وعن عبد الله بن مسعود أنه قال : هذه أحكم آية في القرآن ، وقال الحسن : قَدِم صعصعة بن ناجية جد الفرزدق على النبي صلى الله عليه وسلم يستقرىء النبي القرآن فقرأ عليه هذه الآية فقال صَعصعة : حسبي فقد انتهت الموعظة لا أبالي أن لا أسمع من القرآن غيرها . وقال كعب الأحبار : « لقد أنزل الله على محمد آيتين أحصتا ما في التوراة والإِنجيل والزبور والصحف : { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره .
وإذ قد كان الكلام مسوقاً للترغيب والترهيب معاً أوثر جانب الترغيب بالتقديم في التقسيم تنويهاً بأهل الخير .
وفي « الكشاف » : يحكى أن أعرابياً أخَّر خيراً يَرَه فقيل قدّمت وأخَّرت فقال :
خُذا بطن هَرشَى أو قَفَاها فإنه *** كلا جانبيْ هَرشَى لهن طريق اه
وقد غفل هذا الأعرابي عن بلاغة الآية المقتضية التنويه بأهل الخير .
روى الواحدي عن مقاتل : أن هذه الآية نزلت في رجلين كانا بالمدينة أحدهما لا يبالي من الذنوب الصغائر ويركبها ، والآخر يحب أن يتصدق فلا يجد إلا اليسير فيستحيي من أن يتصدق به فنزلت الآية فيهما .
ومن أجل هذه الرواية قال جمع : إن السورة مدنية . ولو صحّ هذا الخبر لما كان مقتضياً أن السورة مدنية لأنهم كانوا إذا تلوا آية من القرآن شاهداً يظنها بعض السامعين نزلت في تلك القصة كما بيناه في المقدمة الخامسة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.