فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ} (8)

{ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } أي وزن نملة . وهي أصغر ما يكون من النمل . قال مقاتل : فمن يعمل في الدنيا مثقال ذرّة خيراً يره يوم القيامة في كتابه فيفرح به . وكذلك { مَن يَعْمَل } في الدنيا { مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } يوم القيامة فيسوؤه ، ومثل هذه الآية قوله : { إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } [ النساء : 40 ] . وقال بعض أهل اللغة : إن الذرّة هو أن يضرب الرجل بيده على الأرض ، فما علق من التراب ، فهو الذرّة . وقيل : الذرّ ما يرى في شعاع الشمس من الهباء ، والأوّل أولى . ومنه قول امرؤ القيس :

من القاصرات الطرف لو دبّ محول *** من الذرّ فوق الأتب منها لأثرا

و«من » الأولى عبارة عن السعداء ، و«من » الثانية عبارة عن الأشقياء . وقال محمد بن كعب : فمن يعمل مثقال ذرّة من خير من كافر يرى ثوابه في الدنيا وفي نفسه وماله وأهله وولده حتى يخرج من الدنيا ، وليس له عند الله خير ، ومن يعمل مثقال ذرّة من شرّ من مؤمن يرى عقوبته في الدنيا في ماله ونفسه وأهله وولده حتى يخرج من الدنيا ، وليس له عند الله شرّ ، والأوّل أولى . قال مقاتل : نزلت في رجلين كان أحدهما يأتيه السائل فيستقلّ أن يعطيه التمرة والكسرة ، وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير ، ويقول : إنما أوعد الله النار على الكافرين . قرأ الجمهور { يَرَهُ } في الموضعين بضم الهاء وصلاً وسكونها وقفاً ، وقرأ هشام بسكونها وصلاً ووقفاً . ونقل أبو حيان عن هشام وأبي بكر سكونها ، وعن أبي عمرو ضمها مشبعة ، وباقي السبعة بإشباع الأولى ، وسكون الثانية ، وفي هذا الثقل نظر ، والصواب ما ذكرنا . وقرأ الجمهور : { يَرَهُ } مبنياً للفاعل في الموضعين . وقرأ ابن عباس وابن عمر والحسن والحسين ابنا عليّ وزيد بن عليّ وأبو حيوة وعاصم والكسائي في رواية عنهما والجحدري والسلمي وعيسى على البناء للمفعول فيهما : أي يريه الله إياه . وقرأ عكرمة : { يَرَاهُ } على توهم أن من موصولة ، أو على تقدير الجزم بحذف الحركة المقدّرة في الفعل .

/خ7