{ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } أي يُرى ثوابه .
{ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } .
قال ابن عباس : ليس مؤمن ولا كافر عمل خيراً ولا شراً في الدنيا إلاّ أراه اللّه إياه ، أما المؤمن فيرى حسناته وسيّئاته ، فيغفر له سيئاته ويثيبه لحسناته ، وأما الكافر فتردُ حسناته ويعذبه بسيّئاته .
وقال محمد بن كعب في هذه الآية : فمن يعمل مثقال ذرة خيراً من كافر يرى ثوابه في نفسه وأهله وماله وولده ، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند اللّه خير ، ومن يعمل مثقال ذرة شرّاً من مؤمن يرى عقوبته في الدنيا في نفسه وأهله وماله وولده ، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند اللّه شر .
ودليل هذا التأويل ما أخبرنا عقيل أنّ أبا الفرج أخبرهم ، عن ابن جرير قال : حدّثني أبو الخطاب الجنائي قال : حدّثنا الهيثم بن الربيع قال : حدّثنا سماك بن عطية ، عن أيوب ، عن أبي قُلابة ، عن أنس قال : " كان أبو بكر يأكل مع النبي ( عليه السلام ) فنزلت هذه الآية : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } فرفع أبو بكر - رضي اللّه عنه - يده وقال : يا رسول اللّه أنّى أخبر بما عملت من مثقال ذرة من شر ؟ فقال : " يا أبا بكر ما رأيت في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذرّ الشرّ ، ويدّخر اللّه لك مثاقيل ذر الخير حتى تُوفّاه يوم القيامة " .
له عن محمد بن جرير قال : حدّثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا بن وهب قال : حدّثني حُيي بن عبد اللّه ، عن أبي عبد الرحمن الجيلي ، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أنه قال : " نزلت { إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا } وأبو بكر الصديق رضي اللّه عنه قاعد فبكى حين أُنزلت ، فقال له رسول اللّه ( عليه السلام ) : " ما يبكيك يا أبا بكر ؟ " قال : أبكتني هذه السورة ، فقال له رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " واللّه لو أنكم لا تُخطِئُونَ ولا تُذْنِبونَ ويغفر اللّه لكم لخلق اللّه أُمّةً يخطئون ويذنبون فيغفر لهم " .
وقراءة العامّة ( يره ) بفتح الياء في الحرفين ، وقرأ خالد بن نشيط وعاصم الجحدري بضم اليائين لقوله : { لِّيُرَوْاْ } .
قال مقاتل : نزلت هذه الآية في رجلين وذلك أنه لما نزل{ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ } [ الدهر : 8 ] كان أحدهما يأتيه السائل فيستقلّ أن يعطيه التمرة والكسرة والجوزة ونحوها ، ويقول : ما هذا بشيء ، إنّما نُؤجر على ما نعطي ونحن نحبه ، يقول اللّه سبحانه :{ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ } [ الدهر : 8 ] فما أحب لنا هذا فردهُ غفران ، وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير : الكذبة والغيبة والنظرة وأشباه ذلك ، ويقول : ليس عليَّ من هذا شيء ، إنّما وعد اللّه سبحانه النار على الكبائر ، وليس في هذا إثم ، فأنزل اللّه سبحانه يرغّبهم في القليل من الخير أن يعطوه ، فإنّه يوشك أن يكثر ، ويحذّرهم اليسير من الذنب ، فإنّه يوشك أن يكبر ، فالإثم الصغير في عين صاحبه يوم القيامة أعلى من الجبال ، وجميع محاسنه أقل في عينه من كل شيء ، فقال : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } .
سُئل ثعلبة عن الذرّة قال : إن مائة مثل وزن حبّة ، والذرّة واحد منها . وقال يزيد بن [ مروان ] : زعموا أن الذرّة ليس لها وزن ، ومعنى المثقال الوزن ، وهو مفعال من الثقل ، وقال ابن مسعود : أحكم آية في القرآن { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } ، وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يسمّيها " الجامعة الفاذة " ، وتصدق سعد بن أبي وقّاص بتمرتين وقبض السائل يده فقال سعد : ويحك تقبل اللّه منّا مثقال الذرّة والخردلة ، وكأين في هذه من مثاقيل .
وتصدّق عمر بن الخطّاب وعائشة بحبة من عنب وقالا : فيها مثاقيل ذرّ كُثر .
وروى المطّلب بن [ عبد الله عن عائشة ] " أن رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قرأ في مجلس ومعهم أعرابي جالس ، فقال رسول اللّه ( عليه السلام ) : " { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } " فقال الأعرابي : يا رسول اللّه مثقال ذرّة ؟ قال له : " نعم " ، فقال الأعرابي : يا رسول اللّه مثقال ذرّة ؟ قال له " نعم " ، فقال الأعرابي : واسوأتاه منّا إذاً ، ثم قام وهو يقولها ، فقال رسول اللّه ( عليه السلام ) : " لقد دخل قلب الأعرابي الإيمان " .
وأخبرنا عبد اللّه بن حاطب قال : أخبرنا محمد بن عامر السمرقندي قال : حدّثنا عمر بن يحيى قال : حدّثنا عبد بن حميد ، عن وهب بن جرير ، عن أبيه قال : سمعت الحسن يقول : " قدم صعصعة عمّ الفرزدق على النبي ( عليه السلام ) فلمّا سمع { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } قال : حسبي ، ما أبالي ولا أسمع من القرآن غير هذا " .
وقال الربيع بن صبيح : مرّ رجل بالحسن وهو يقرأ هذه السورة ، فلمّا بلغ آخرها قال : " حسبي قد أتممت الموعظة " ، فقال الحسن : " لقد فقه الرجل " .
أنشدنا أبو القاسم الحسن بن محمد المفسّر قال : أنشدني أبو الفضل أحمد بن محمد بن حمدون الفقيه قال : أنشدني أبو بكر أحمد بن محمد بن إبراهيم الحواربي بواسط :
إنّ من يعتدي ويكسب إثماً *** وزن مثقال ذرّة سيراه
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.