جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ} (8)

{ فمن يعمل مثقال ذرة } : وزن نملة صغيرة ، أو ما يرى في الشمس من الهباء ، { خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا{[5439]} يره } ، عن ابن مسعود رضي الله عنه : هذه أحكم آية في كتاب الله ، وكان عليه السلام يسميها " الفاذة الجامعة " {[5440]} ، وفي إحباط بعض أعمال الخير ، والعفو عن بعض أعمال الشر ، إشكال ، اللهم إلا أن يقال : الآية مشروطة بعدم الإحباط ، والعفو ، وما ذكره النسائي ، وابن ماجة أنه لما نزلت قال أبو بكر : إني أجزى بما عملت من مثقال ذرة من شر ، فقال عليه السلام : " ما رأيت في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر ، ويدخر الله لك مثاقيل ذر الخير حتى توفاه يوم القيامة " ، فلا يخلو عن إشكال ؛ لأن قوله : " فمن يعمل " مترتب على قوله : " يومئذ يصدر " ، فالظاهر أن رؤية جزاء الأعمال في الآخرة لا في الدنيا ، اللهم إلا أن يقال : قد تم الكلام عند قوله : " ليروا أعمالهم " ، وقوله : " فمن يعمل " ابتداء كلام وحكم على حياله ، وعن سعيد{[5441]} بن جبير : كان المسلمون يرون أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل إذا أعطوه ، وكان آخرون يرون أن لا يلامون على الذنب اليسير الكذبة ، والنظرة ، والغيبة وأشباهها ، فرغبهم الله في القليل من الخير ، وحذرهم عن القليل من الشر ، فنزلت :{ فمن يعمل مثقال ذرة } الخ .

والحمد لله .


[5439]:وإن لم يجز به، ويعفى عنه، قال تعالى:{مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها}(الكهف:49)، وعلى هذا لا إشكال في الآية، وكان صلى الله عليه وسلم يسميها: الفاذة الجامعة، وعن ابن مسعود: هذا أحكم آية في كتاب الله، ولو جعلت معنى ليروا أعمالهم جزاء أعمالهم، فالآية تامة المعنى أيضا، فإن عمل الخير المحبوط والشر المعفو يرى جزاءهما، فإن عمل الشر الذي به حبط عمل خيره، لو لم يكن له عمل الخير لكان ذاك الشر أكثر، وإن عمل الخير الذي بسببه عفي عن عمل شره، لو لم يكن له عمل الشر لكان ذلك الخير أكثر نفعا، فصدق أنه رأى جزائهما هذا هو تحقيق الكلام، والبحث، والمناقشة جهل/12 وجيز.
[5440]:ذكره ابن كثير في "تفسيره" '(4/540) وعزاه لابن جرير.
[5441]:أخرجه ابن أبي حاتم/12 در منثور.