الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ} (8)

ثم قال تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خير يرهٌ }( {[77058]} ) .

[ خيراً ]( {[77059]} ) منصوب( {[77060]} ) على البيان أو على البيان أو على البدل من " مثقال ذرة " ( {[77061]} ) .

أي : فمن يعمل في الدنيا وزن ذرة من خير يرى ثوابه في الآخرة .

ومن يعمل( {[77062]} ) في الدنيا وزن ذرة من شر يرى جزاءه في الآخرة( {[77063]} ) .

قال ابن عباس : ليس مؤمن ولا كافر يعمل خيرا ولا شرا في الدنيا إلا أراه الله إياه . فأما المؤمن فيريه( {[77064]} ) حسناته وسيئاته ، فيغفر الله له سيئاته ويثيبه على حسناته . وأما الكافر فيرد حسناته ويعذبه على سيئاته( {[77065]} ) .

وقال محمد بن كعب القرضي : من يعمل مثقال ذرة من خير يره ، هذا في الدنيا . يعني أن كل كافر يرى ثواب( {[77066]} ) عمله الحسن في الدنيا في نفسه وماله وأهله( {[77067]} ) وولده حتى يخرج من الدنيا وليس له ( عند الله خير ، { ومن يعمل مثقال ذرة شر يرهٌ } ، هذا في الدنيا ، يعني أن كل مؤمن يرى عقوبة سيئاته في الدنيا في نفسه وأهله وماله وولده حتى يخرج من الدنيا وليس عليه )( {[77068]} ) شيء .

وقال أيوب( {[77069]} ) : قرأت في كتاب أبي قلابة( {[77070]} ) قال : نزلت { ومن( {[77071]} ) يعمل مثقال ذرة شرا يرهٌ } وأبو بكر Z يأكل( {[77072]} ) ، فأمسك وقال : يا رسول الله ، إني [ لراء ]( {[77073]} ) ما عملت من خير وشر ؟ فقال : أرأيت ما رأيت مما تكره ؟ فهو من مثاقيل ذرة ( الشر ، ويدخر مثاقيل ذرة ) {[77074]}( ) الخير حتى تعطوه يوم القيامة . وتصديق ( ذلك )( {[77075]} ) في كتاب الله : " وما أصابكم من مصيبة [ بها ]( {[77076]} ) كسبت أيديكم ويعفوا عنه كثير " ( {[77077]} ) .

وقال الشعبي : قالت عائشة Z : يا رسول الله ، إن عبد الله بن جدعان( {[77078]} ) كان في الجاهلية يصل( {[77079]} ) الرحم ، ويطعم المسكين( {[77080]} ) ، ويفعل( {[77081]} ) . . . فهل ذلك نافعة ؟ قال( {[77082]} ) : لا ينفعه ، إنه( {[77083]} ) لم يقل قط رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين( {[77084]} ) .

وروى قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله عز وجل لا يظلم( {[77085]} ) المؤمن / حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجازي( {[77086]} ) بها في الآخرة ، وأما الكافر( {[77087]} ) فيطعم بها في الدنيا ، [ فإذا كان ]( {[77088]} ) يوم القيامة لم تكن له حسنة( {[77089]} ) .

وروى( {[77090]} ) [ سلمان ]( {[77091]} ) الفارسي أن رسول الله( {[77092]} ) ( قال )( {[77093]} ) : " دخل رجل النار( {[77094]} ) في ذباب( {[77095]} ) ، ودخل آخر الجنة في ذباب . قال : مر( {[77096]} ) رجل بقوم ولهم آلهة : فقالوا : أقرب لألهتنا شيئا . قرب( {[77097]} ) ولو ذبابا ، فقرب [ ذباب ]( {[77098]} ) ، فدخل النار . ومر رجل آخر فقالوا : [ ألا تقرب ]( {[77099]} ) لآلهتنا شيئا ؟ ولو ذبابا ؟ ! فقال : لا ، فقتلوه فدخل الجنة( {[77100]} ) .

وروى نصير عن الكسائي : أنه كان يقرأ ( خيرا يره وشرا يره ) بضم( {[77101]} ) .

وإنما قال تعالى ذكره : { فمن يعمل } وهو خبر عما في الآخرة ، لأن السامع قد فهم( {[77102]} ) المعنى ، ومعناه : فمن عمل . ودل( {[77103]} ) على إنما هو في الآخرة قوله : { يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم } .

وقيل : إنما جاء " يعمل " بلفظ المستقبل للحث لأهل الدنيا على العمل بطاعة الله [ والزجر ]( {[77104]} ) عن معصيته( {[77105]} ) .

وروي أن [ سلمان ]( {[77106]} ) قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ( {[77107]} ) : كيف ينفلت( {[77108]} ) ابن آدم ممن وزن الجبال ، وكال( {[77109]} ) المياه ، وعد التراب( {[77110]} ) ؟ !

وقال طاوس : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } من أهل الأديان غير الإسلام ، ما عمل منهم( {[77111]} ) أحد مثقال ذرة من خير( {[77112]} ) إلا كوفئ بها في الدنيا في بدنه وماله وأهله( {[77113]} ) حتى يموت وما بقي له مثقال( {[77114]} ) ذرة من خير ، { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يراه } قال : من المؤمنين [ قوم ]( {[77115]} ) يكافأون في الدنيا بالمصيبة في أبدانهم وأموالهم وأهليهم حتى يموت أحدهم ما بقي( {[77116]} ) عليه مثقال ذرة من شر ، فهذا يجعل الآيتين في المجازاة في الدنيا( {[77117]} ) .


[77058]:بعد هذه الآية قوله تعالى: ﴿ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره﴾.
[77059]:م: أي خيرا.
[77060]:ث: منصوبا.
[77061]:انظر: إعراب النحاس 5/276.
[77062]:أ: ومن عمل.
[77063]:انظر: جامع البيان 30/267.
[77064]:ث: فيره.
[77065]:انظر: جامع البيان 30/268 والدر 8/595.
[77066]:ث: ثوب.
[77067]:أ، ث: وأهله وماله.
[77068]:ما بين قوسين (عند الله – وليس عليه) ساقط من أ. وانظر: قول القرطبي في جامع البيان 30/268.
[77069]:هو أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني أبو بكر المصري رأى أنس وروى عن ابن جبير وعطاء بن أبي رباح وروى عنه الثوري ومالك. وكان فقيها محدثا حافظا ثقة من أعلام التابعين (ت: 131هـ) انظر: طبقات السيرازي: 89. وتهذيب الأسماء 1/131 وتهذيب التهذيب 1/397 وطبقات الحفاظ: 52.
[77070]:أ: كتاب الله (خطأ). وقال أيوب في أبي قلابة: "ما أدركت أعلم منه بالقضاء، طلب له فهرب حتى أتى اليمامة" طبقات الحفاظ: 36.
[77071]:أ: فمن.
[77072]:ث: فأكل.
[77073]:في هامش م: لراء، وكتب فوقها علامة التصحيح: صح.
[77074]:ساقط من ث.
[77075]:ساقط من أ.
[77076]:م: في ما (خطأ).
[77077]:الشورى: 30. وهذا الحديث أخرجه الطبري في جامع البيان 30/269، باختلاف يسير في بعض ألفاظه. وانظر: تفسير ابن كثير 4/588. ولهذا الحديث شاهد من أنس فيما أخرجه الطبري في الأوسط والطبري في جامع البيان 30/268 وانظر: فتح القدير 5/470.
[77078]:هو عبد الله بن جدعان، أبو زهير التميمي القرشي أحد الأجواد المشهورين، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة. انظر: المجر: 137 ت 138 والأعلام: 4/76.
[77079]:ث: يصيل.
[77080]:ث: للمسكين.
[77081]:في جامع البيان: "ويفعل، ويفعل"..
[77082]:أ: فقال.
[77083]:ث: أ،.
[77084]:أخرجه الطبري في جامع البيان 30/269.
[77085]:أ: لا يطعم.
[77086]:ث: ويجار.
[77087]:ث: وأما الكافر.
[77088]:م: فإذا هو.
[77089]:أخرجه مسلم في كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب جزاء المؤمن في الدنيا والآخرة... بنحو هذا اللفظ عن عن أنس، (شرح النووي على مسلم 18/149-150-150، وأخرجه الطبري في جامع البيان 30/280.
[77090]:ث: ومروى.
[77091]:م: سليمان.
[77092]:أ: أن النبي.
[77093]:ساقط من ث.
[77094]:ث: نار.
[77095]:ث: ذنوب.
[77096]:أ: فمر.
[77097]:ث: أقرب.
[77098]:م: ذباب. أ: ذبابة.
[77099]:م، ث: لا تقرب.
[77100]:أخرجه أحمد في المسند عن طارق بن شهاب. وانظر: تفسير الحديث في كتاب فتح المجيد: 154-155.
[77101]:انظر: المبسوط: 475 وفيه أيضا أنها رواية حميد بن الربيع عن الكسائي، وفيه أيضا أنها رواية أبان عن عاصم، انظر: السبعة: 694.
[77102]:أ: قربهم.
[77103]:أ: وذلك.
[77104]:ساقط من م.
[77105]:أ: معصية الله.
[77106]:في جميع النسخ سليما.
[77107]:أ: وروي أن سليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال. ث: وروى سليما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال.
[77108]:ث: تفلت.
[77109]:أ: وكان.
[77110]:لم أقف على هذا الحديث.
[77111]:أ: منها.
[77112]:أ: ذرة خيرا.
[77113]:أ: وأهله وماله.
[77114]:ث: من مثقال.
[77115]:ساقط من م، ث.
[77116]:أ: وما.
[77117]:حكاه الماوردي في تفسيره 4/498 عن طاوس مختصرا.