مثقال : المثقال ما يوزن به ، ومثقال الشيء ميزانه من مثله .
7 ، 8- فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرّة شرّا يره .
فمن يعمل أي خير مهما كان صغيرا فإنه سيلقى الجزاء الحسن من جنس العمل ، ومن يعمل أي شر مهما كان صغيرا ، فإنه سيلقى الجزاء المؤلم من جنس العمل .
وهاتان الآيتان للإفادة بالجزاء العادل من الله عن كل صغيرة وكبيرة ، وأن الناس ستجازى بالإحسان إحسانا وبالسوء سوءا .
وذهب جمهور العلماء إلى أن الكافر يكافأ على الأعمال الصالحة بجزاء دنيوي ، ثم يعاقب على كفره بجهنم ، وذهب فريق من العلماء كالإمام محمد عبده والقاسمي في تفسيره والقاشاني وغيرهم إلى أن هاتين الآيتين تفيدان أن كل عامل خير سيلقى جزاء خيره ، وأن كل عامل شر سيلقى جزاء شرّه بدون استثناء بين كافر ومؤمن .
وجاء في تفسير المراغي ما يأتي :
فمن يعمل مثقال ذرّة يره* ومن يعمل مثقال ذرّة شرّا يره .
أي : فمن يعمل من الخير أدنى عمل وأصغره فإنه يجد جزاءه ، ومن يعمل الشر ولو قليلا يجد جزاءه ، لا فرق بين المؤمن والكافر .
وحسنات الكافرين لا تخلصهم من عذاب الكفر فهم به خالدون في الشقاء ، وما نطف من الآيات بحبوط أعمال الكافرين وأنها لا تنفعهم ، فالمراد به أنها لا تنجيهم من عذاب الكفر وإن خففت عنهم بعض العذاب الذي كان يرتقبهم من السيئات الأخرى ، أما عذاب الكفر فلا يخفف عنهم منه شيء ، يرشد إلى ذلك .
قوله تعالى : ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين . ( الأنبياء : 47 ) .
فقوله : فلا تظلم نفس شيئا . . . صريح في أن المؤمن والكافر في ذلك سواء ، وأن كلاّ يوفّى يوم القيامة جزاءه ، وقد ورد أن حاتما يخفف عنه لكرمه ، وأن أبا لهب يخفف عنه لسروره بولادة النبي صلى الله عليه وسلم ، هذا تلخيص ما قاله الأستاذ الإمام في تفسير الآيةiv .
أي : يرجعون عن موقف الحساب أشتاتا . أي : أنواعا وأصنافا ما بين شقي وسعيد ، مأمور به إلى الجنة ، ومأمور به إلى النار .
وقوله تعالى : ليروا أعمالهم . أي : ليجازوا بما عملوه في الدنيا من خير وشر ، ولهذا قال : فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرّة شرّا يره .
روى البخاري ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الخيل لثلاثة : لرجل أجر ، ولرجل ستر ، وعلى رجل وزر ) ، الحديث . فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر ؟ فقال : ( ما أنزل الله فيها شيئا إلا هذه الآية الفاذة الجامعة : فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرّة شرّا يره . )v .
وروى الإمام أحمد ، عن صعصعة بن معاوية عم الفرزدق أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه : فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره . ومن يعمل مقال ذرّة شرا يره . قال : حسبي أن لا أسمع غيرهاvi .
وفي صحيح البخاري ، عن عدي مرفوعا : ( اتقوا النار ولو بشق تمرة ، ولو بكلمة طيبة ) .
وله أيضا في الصحيح : ( لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقى ، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط )vii .
وفي الصحيح أيضا : ( يا معشر نساء المؤمنات لا تحقرنّ جارة لجارتها ولو فرسن شاة )viii . يعني ظلفها ، وفي الحديث الآخر : ( ردوا السائل ولو بظلف محرق ) .
وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يا عائشة ، استترى من النار ولو بشق تمرة فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان )ix .
وروى عن عائشة أنها تصدقت بعنبة وقالت : كم فيها من ثقال ذرة .
وروى ابن جرير ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : لما نزلت : إذا زلزلت الأرض زلزالها . وأبو بكر الصديق رضي الله عنه قاعد ، فبكى حين أنزلت : فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما يبكيك يا أبا بكر ) ؟ قال : يبكيني هذه السورة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لولا أنكم تخطئون وتذنبون فيغفر الله لكم لخلق الله أمّة يخطئون ويذنبون فيغفر لهم )x .
وروى ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قول الله تعالى : فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرّة شرا يره . وذلك لما نزلت هذه الآية : ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا . ( الإنسان : 8 ) .
كان المسلمون يرون أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل إذا أعطوه ، فيجيء المسكين إلى أبوابهم فيستقلون أن يعطوه التمرة والكسرة والجوزة ونحو ذلك فيردونه ، ويقولون : ما هذا بشيء إنما نؤجر على ما نعطى ونحن نحبه ، وكان آخرون يرون أنهم لا يلامون على الذنب اليسير : الكذبة ، والنظرة ، والغيبة ، وأشباه ذلك ، يقولون : إنما وعد الله النار على الكبائر ، فرغّبهم في القليل من الخير أن يعملوه فإنه يوشك أن يكثر ، وحذرهم اليسير من الشر فإنه يوشك أن يكثر ، فنزلت : فمن يعمل مثقال ذرّة . xi يعني : وزن أصغر النمل .
خيرا يره . يعني : في كتابه ويسره ذلك ، قال : يكتب لكل بر وفاجر بكل سيئة سيئة واحدة وبكل حسنة عشر حسنات ، فإذا كان يوم القيامة ضاعف الله حسنات المؤمنين أيضا بكل واحدة عشرا ، ويمحو عنه بكل حسنة عشر سيئات ، فمن زادت حسناته على سيئاته مثقال ذرة دخل الجنة .
وروى الإمام أحمد ، عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إياكم ومحقرات الذنوب ، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه ) ، وإن رسول الله صلى عليه وسلم ضرب لذلك مثلا كمثل قوم نزلوا أرض فلاة ، فحضر صنيع القوم ، فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود والرجل يجيء بالعود ، حتى جمعوا سوادا ، وأججوا نارا ، وأنضجوا ما قذفوا فيها )xii .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم . xiii
( تم بحمد الله وفضله تفسير سورة الزلزلة ) .
رواه الترمذي في فضائل القرآن ( 2895 ) من حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أصحابه : ( هل تزوجت يا فلان ) ؟ قال : لا والله يا رسول الله ولا عندي ما أتزوج به ، قال : ( أليس معك قل هو الله أحد ) ؟ قال : ( ثلث القرآن ) قال : ( أليس معك إذا جاء نصر الله والفتح ) ؟ قال : بلى ، قال : ( ربع القرآن ) ، قال : ( أليس معك قل يا أيها الكافرون ) ؟ قال : بلى ، قال : ( ربع القرآن ) قال : ( أليس معك إذا زلزلت الأرض ) ؟ قال : بلى ، قال : ( ربع القرآن ) قال : ( تزوج ) .
ii تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان :
رواه مسلم في الزكاة ( 1013 ) والترمذي في الفتن ( 2208 ) من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة فيجيء القاتل فيقول : في هذا قتلت ، ويجيء القاطع فيقول : في هذا قطعت رحمي ، ويجيء السارق فيقول : في هذا قطعت يدي ، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا ) .
رواه الترمذي في صفة القيامة ( 2429 ) وفي التفسير ( 3353 ) وأحمد في مسنده ( 8650 ) من حديث أبي هريرة قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { يومئذ تحدث أخبارها } قال : ( أتدرون ما أخبارها ) ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ( فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها أن تقول : عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا قال فهذه أخبارها ) .
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب .
iv تفسير المراغي : أحمد مصطفى المراغي ، الجزء الثلاثون ص 220 دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، وقد ورد ذلك موسعا في تفسير جزء عم للإمام محمد عبده .
v أخرجه الشيخان واللفظ للبخاري .
xiii انظر مختصر تفسير ابن كثير ، تحقيق الصابوني المجلد الثالث ص 666 ، 667 .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.