الآيتان7و8 : وقوله تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } { ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } قال بعضهم : يرى الكافر ما عمل من خير في الدنيا ، وأما في الآخرة فلا يرى ؛ لأنه لا يؤمن بها ، ولا يعمل لها ، كقوله تعالى : { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد } ( الإسراء : 18 ) والمؤمن يرى ما عمل من شر في الدنيا وما عمل ( من خير ){[23962]} في الآخرة .
وعلى ذلك روي في الخبر " أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية ، فقال أبو بكر الصديق لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أكل ما عمل من شر يراه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما ترون في الدنيا مما تكرهون فهو من ذاك ، ويدخر الخير لأهله في الآخرة " ( الحاكم في المستدرك 2/532و533 ) .
وجائز أن يكون قوله تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } { ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } على الإحصاء والحفظ ، كقوله تعالى : { ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها } أي لا يذهب عنه شيء قليل ولا كثير حتى الذرة .
ويحتمل وجها آخر ، وهو{[23963]} أن قوله تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } أي من يعمل من المؤمنين مثقال ذرة خيرا يره في الآخرة { ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } ومن يعمل من الكفار مثقال ذرة شرا يره في الآخرة ، لأن الله تعالى قد أخبر في غير آية{[23964]} من القرآن أنه يتقبل حسنات المؤمنين ويتجاوز عن سيئاتهم كقوله تعالى : { والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون } ( العنكبوت : 7 ) ونحو ذلك من الآيات .
وقوله تعالى : { مثقال ذرة } ليس إرادة حقيقة الذرة ، ولكن على التمثيل .
ثم قيل : من أخبار الأرض وما ذكر من شهادة الجوارح من شهادة الجوارح أن كيف احتمل ذلك ، وهي{[23965]} أموات ، والأموات{[23966]} لا علم لها ؟
فجائز أن يكون الله تعالى يجعل لها علما ، وينطقها بذلك ، وأن لها بذلك علما على جعلها آية في قوله تعالى : { ليروا أعمالهم } دلالة أن قوله تعالى : { حتى يسمع كلام الله } ( التوبة : 6 ) وقوله ( عليه الصلاة والسلام ){[23967]} " لا تسافروا بالقرآن إلى أرض /651ت أ/ العدو " ( مسلم 1869/ 94 ) ، وقول الناس : يقرأ كلام رب العالمين ، وفي المصاحف ( قرآن ، لا يراد به حقيقة كلام الله تعالى في المصاحف ){[23968]} ولا حقيقة كون القراءة فيها والسفر به ، ولا حقيقة سماع كلامه تعالى ، ويكون على ما أراد من سماع ما به يفهم كلامه ، ويسمع ما يعبر به عن كلامه ، وكذلك يكون في المصاحف ما يفهم به كلامه أو ما يعبر به عن كلامه على ما ذكرنا من رؤية الأعمال وأعين الأعمال ، ولكن يرى ما يدل عليها ، وهو المكتوب من أعمالهم في الكتب التي فيها أعمالهم . فعلى ذلك هذا ، والله أعلم بالصواب .
( وصلى الله تعالى على محمد ، وسلم . تمت هذه السورة ){[23969]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.