{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } أي فمن عمل في الدنيا وزن ذرة من خير يرى ثوابه هنالك ، والذرة النملة الصغيرة ، وهي مثل في الصغر ، وقيل : الذرة هو الهباء الذي يرى في ضوء الشمس إذا دخلت من نافذة .
{ ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } أي ومن كان عمل في الدنيا وزن ذرة من شر يرى جزاءه ثمة .
تنبيهات : الأول دل لفظ ( من ) على شمول الجزاء بقسميه للمؤمن وغيره ، قال الإمام : أي من يعمل من الخير أدنى عمل وأصغره فإنه يراه ، ويجد جزاءه ، لا فرق في ذلك بين المؤمن والكافر ، غاية الأمر أن حسنات الكفار الجاحدين لا تصل بهم إلى أن تخلصهم من عذاب الكفر ، فهم به خالدون في الشقاء ، والآيات التي تنطق بحبوط أعمال الكفار ، وأنها لا تنفعهم ، معناها هو ما ذكرنا ، أي أن عملا من أعمالهم لا ينجيهم من عذاب الكفر ، وإن خفف عنهم بعض العذاب الذي كان يرتقبهم على بقية السيئات الأخرى ، أما عذاب الكفر نفسه فلا يخفف عنهم منه شيء ، كيف لا والله جل شانه يقول{[1]} { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين } فقوله { فلا تظلم نفس شيئا } أصرح قول في أن الكافر والمؤمن في ذلك سواء ، وإن كلا يوفى في يوم القيامة جزاءه . وقد ورد أن حاتما يخفف عنه لكرمه ، وأن أبا لهب يخفف عنه لسروره بولادة النبي صلى الله عليه وسلم ، وما نقله بعضهم من الإجماع على أن الكافر لا تنفعه في الآخرة حسنة ، ولا يخفف عنه عذاب سيئة ، ما لا أصل له ، فقد قال بما قلناه كثير من أئمة السلف رضي الله عنهم . على أن كلمة ( الإجماع ) كثيرا ما يتخذها الجهلاء السفهاء آلة لقتل روح الدين ، وحجرا يلقمونه أفواه المتكلمين ، وهم لا يعرفون للإجماع الذي تقوم به الحجة معنى ، فبئس ما يصنعون . انتهى .
وقد سبقه الشهاب في ( حواشيه ) على القاضي ، حيث ناقش صاحب المقاصد في دعواه الإجماع على إحباط عمل الكفرة ، وعبارته : كيف يدعي الإجماع على الإحباط بالكلية ، وهو مخالف لما صرح به في الآية ؟ والذي يلوح للخاطر يعد استكشاف سرائر الدفاتر أن الكفار يعذبون على الكفر بحسب مراتبه ، فليس عذاب أبي طالب كعذاب أبي جهل ، ولا عذاب المعطلة كعذاب أهل الكتاب ، كما تقتضيه الحكمة والعدل الإلهي . انتهى .
الثاني : قال في ( الإكليل ) : في هاتين الآيتين الترغيب في قليل الخير وكثيره ، والتحذير من قليل الشر وكثيره ، أخرج عبد الرزاق عن ابن مسعود قال : " هذه الآية أحكم آية في القرآن " ، وفي لفظ ( أجمع ) .
وسمى{[2]} رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية الجامعة الفاذة ، حين سئل عن زكاة الحمير فقال : " ما أنزل الله فيها شيئا إلا هذه الآية الجامعة الفاذة { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } ، وروى الإمام أحمد{[3]} عن صعصعة بن معاوية عم الفرزدق " أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } الخ ، قال : حسبي ، لا أبالي أن لا أسمع غيرها " ، ورواه النسائي في تفسيره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.