قوله تعالى : { إن ربي بما تعملون محيط* ويا قوم اعملوا على مكانتكم } ، أي : على تؤدتكم وتمكنكم . يقال : فلان يعمل على مكانته إذا عمل على تؤدة وتمكن . { إني عامل } ، على تمكني ، { " سوف تعلمون } ، أينا الجاني على نفسه ، والمخطئ في فعله ، فذلك قوله : { من يأتيه عذاب يخزيه } يذله { ومن هو كاذب } ، قيل : { من } في محل النصب ، أي : فسوف تعلمون الكاذب . وقيل : محله رفع ، تقديره : ومن هو كاذب يعلم كذبه ويذوق وبال أمره . { وارتقبوا } ، وانتظروا العذاب { إني معكم رقيب } ، منتظر .
{ و ْ } لما أعيوه وعجز عنهم قال : { يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ ْ } أي : على حالتكم ودينكم .
{ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ ْ } ويحل عليه عذاب مقيم أنا أم أنتم ، وقد علموا ذلك حين وقع عليهم العذاب .
{ وَارْتَقِبُوا ْ } ما يحل بي { إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ْ } ما يحل بكم .
{ ويا قوم اعملوا على مكانتكم أني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يُخزيه } سبق مثله في سورة " الأنعام " والفاء في ف { سوف تعلمون } ثمة للتصريح بأن الإصرار والتمكن فيما هم عليه سبب لذلك ، وحذفها ها هنا لأنه جواب سائل قال : فماذا يكون بعد ذلك ؟ فهو أبلغ في التهويل . { ومن هو كاذب } عطف على من يأتيه لا لأنه قسيم له كقولك : ستعلم الكاذب والصادق ، بل لأنهم لما أوعدوه وكذبوه قال : سوف تعلمون من المعذب والكاذب مني ومنكم . وقيل كان قياسه ومن هو صادق لينصرف الأول إليهم والثاني إليه لكنهم لما كانوا يدعونه كاذبا قال : ومن هو كاذب على زعمهم . { وارتقبوا } وانتظروا ما أقول لكم . { إني معكم رقيب } منتظر فعيل بمعنى الراقب كالصريم ، أو المراقب كالعشير أو المرتقب كالرفيع .
عطف نداء على نداء زيادة في التنبيه ، والمقصود عطف ما بعد النداء الثاني على ما بعد النداء الأوّل .
وجملة { اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون } تقدّم تفسير نظيرها في سورة الأنعام .
والأمر للتهديد . والمعنى : اعملوا متمكّنين من مكانتكم ، أي حالكم التي أنتم عليها ، أي اعملوا ما تحبّون أن تعملوه بي .
وجملة { إني عامل } مستأنفة . ولم يقرن حرف { سوف } في هذه الآية بالفاء وقرن في آية سورة الأنعام بالفاء ؛ فجملة { سوف تعلمون } هنا جعلت مستأنفة استئنافاً بيانيّاً إذ لمّا فاتحهم بالتّهديد كان ذلك ينشىء سؤالاً في نفوسهم عما ينشأ على هذا التّهديد فيجاب بالتهديد ب { سوف تعلمون } . ولكونه كذلك كان مساوياً للتفريع بالفاء الواقع في آية الأنعام في المآل ، ولكنّه أبلغ في الدّلالة على نشأة مضمون الجملة المستأنفة عن مضمون التي قبلها ؛ ففي خطاب شعيب عليه السّلام قومه من الشدة ما ليس في الخطاب المأمور به النبيءُ صلى الله عليه وسلم في سورة الأنعام جرياً على ما أرسل الله به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم من اللين لهم { فبما رحمةٍ من الله لنت لهم } [ آل عمران : 159 ] . وكذلك التفاوت بين معمولي { تعلمون } فهو هنا غليظ شديد { من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب } وهو هنالك لين { مَن تكون له عاقبة الدّار } [ الأنعام : 135 ] .
و { من } استفهام معلق لفعل العلم عن العمل ، أي تعلمون جواب هذا السؤال . والعذاب : خزي لأنّه إهانة .
والارتقاب : الترقّب ، وهو افتعال من رقبه إذا انتظره .
والرّقيب هنا فعيل بمعنى فاعل ، أي أني معكم راقب ، أي كل يرتقب ما يجازيه الله به إن كان كاذباً أو مكذّباً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.