فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَيَٰقَوۡمِ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنِّي عَٰمِلٞۖ سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن يَأۡتِيهِ عَذَابٞ يُخۡزِيهِ وَمَنۡ هُوَ كَٰذِبٞۖ وَٱرۡتَقِبُوٓاْ إِنِّي مَعَكُمۡ رَقِيبٞ} (93)

{ ويا قوم اعملوا على مَكَانَتِكُمْ إِنّي عامل سَوْفَ تَعْلَمُونَ } لما رأى إصرارهم على الكفر وتصميمهم على دين آبائهم ، وعدم تأثير الموعظة فيهم ، توعدهم بأن يعملوا على غاية تمكنهم ونهاية استطاعتهم ، يقال : مكن مكانة : إذا تمكن أبلغ تمكن ، وأخبرهم أنه عامل على حسب ما يمكنه ويقدّر الله له ، ثم بالغ في التهديد والوعيد بقوله : { سَوْفَ تَعْلَمُونَ } أي : عاقبة ما أنتم فيه من عبادة غير الله والإضرار بعباده ، وقد تقدّم مثله في الأنعام { مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ } من في محل نصب بتعلمون : أي : سوف تعلمون من هو الذي يأتيه العذاب المخزي الذي يتأثر عنه الذلّ والفضيحة والعار { وَمَنْ هُوَ كَاذِب } معطوف على من يأتيه ؛ والمعنى : ستعلمون من هو المعذب ومن هو الكاذب ؟ وفيه تعريض بكذبهم في قولهم : { لَوْلاَ رَهْطُكَ لرجمناك وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } . وقيل : إن «من » مبتدأ ، وما بعدها صلتها ، والخبر محذوف ، والتقدير : من هو كاذب فسيعلم كذبه ويذوق وبال أمره . قال الفراء : إنما جاء بهو في { مَنْ هُوَ كاذب } لأنهم لا يقولون من قائم ، إنما يقولون : من قام ، ومن يقوم ، ومن القائم ، فزادوا هو ليكون جملة تقوم مقام فعل ويفعل . قال النحاس : ويدل على خلاف هذا قول الشاعر :

من رسولي إلى الثريا فإني *** ضقت ذرعاً بهجرها والكتاب

{ وارتقبوا إِنّي مَعَكُمْ رَقِيب } أي : انتظروا إني معكم منتظر لما يقضي به الله بيننا .

/خ95