معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَيَٰقَوۡمِ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنِّي عَٰمِلٞۖ سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن يَأۡتِيهِ عَذَابٞ يُخۡزِيهِ وَمَنۡ هُوَ كَٰذِبٞۖ وَٱرۡتَقِبُوٓاْ إِنِّي مَعَكُمۡ رَقِيبٞ} (93)

وقوله : { مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ 93 } ،

( مَن ) في موضع رفع إذا جعلتها استفهاما ، ترفعها بعائد ذكرها . وكذلك قوله : ( وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ ) ، وإنما أدخلت العرب ( هو ) في قوله : ( وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ ) ؛ لأنهم لا يقولونَ : مَن قائمٌ ولا مَن قاعد ، إنما كلامهم : من يقوم ومن قامَ ، أو من القائم ، فلما لم يقولوهُ لمعرفة أو لِفَعَل أو يفعل أَدخلوا هو مع قائم ليكونا جَميعاً في مقام فَعَل ويفعل ؛ لأنهما يقومان مقام اثنين . وقد يجوز في الشعر وأشباهه مَنْ قائم ، قال الشاعر :

مَنْ شارب مُرْبِح بالكَأس نادمَني *** لا بالحَصُورِ ولا فيها بسوَّار

وربما تهَيبت العرب أن يستقبلوا مَنْ بنكرة فيخفضونها فيقولون : مِنْ رجلٍ يتصدَّق ، فيخفضونه على تأويل : هَل مِن رجل يتصدّق . وقد أنشدونا هذا البيت خَفْضاً ورفعاً :

مَِن رسولٌٍ إلى الثريّا ثأنى *** ضِقت ذرعاً بهجرها والكتابِ

وإن جعلتهما مَن ومِن في موضع ( الذي ) نصبت ، كقوله : { يَعْلَمُ المُفْسِدَ مِنَ المُصْلِحِ } ، وكقوله : { وَلَما يَعْلمِ اللّهُ الذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيعْلَمَ الصَّابِرِينَ } .