إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَيَٰقَوۡمِ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنِّي عَٰمِلٞۖ سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن يَأۡتِيهِ عَذَابٞ يُخۡزِيهِ وَمَنۡ هُوَ كَٰذِبٞۖ وَٱرۡتَقِبُوٓاْ إِنِّي مَعَكُمۡ رَقِيبٞ} (93)

{ وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا } لما رأى عليه السلام إصرارَهم على الكفر وأنهم لا يرعوون عما هم عليه من المعاصي حتى اجترأوا على العظيمة التي هي الاستهانةُ به والعزيمةُ على رجمه لولا حُرمةُ رهطِه ، قال لهم على طريقة التهديد : اعملوا { على مَكَانَتِكُمْ } أي على غاية تمكّنِكم واستطاعتِكم يقال : مكُن مكانةً إذا تمكّن أبلغَ التمكّن وإنما قاله عليه السلام رداً لما ادَّعَوا أنهم أقوياءُ قادرون على رجمه وأنه ضعيفٌ فيما بينهم لا عزةَ له ، أو على ناحيتكم وجِهَتكم التي أنتم عليها من قولهم : مكانٌ ومكانة كمقام ومقامة ، والمعنى اثبُتوا على ما أنتم عليه من الكفر والمشاقّةِ لي وسائرِ ما أنتم عليه مما لا خيرَ فيه وابذُلوا جهدكم في مضارّتي وإيقافي ما في نيتكم وإخراج ما في أمنيتكم من القوة إلى الفعل { إني عامل } على مكانتي حسبما يؤيدني الله ويوفقني بأنواع التأييدِ والتوفيق { سَوْفَ تَعْلَمُونَ } لما هدّدهم عليه السلام بقوله : اعمَلوا على مكانتكم إني عاملٌ كان مظِنّةَ أن يسألَ منهم سائلٌ فيقولَ : فماذا يكون بعد ذلك ؟ فقيل : سوف تعلمون { مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ } وصَف العذابَ بالإخزاء تعريضاً بما أوعدوه عليه السلام به من الرجم فإنه مع كونه عذاباً فيه خِزيٌ ظاهرٌ حيث لا يكون إلا بجناية عظيمةٍ توجبه { وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ } عطفٌ على مَنْ يأتيه لا على أنه قسيمُه بل حيث أوعدوه بالرجم وكذبوه قيل : سوف تعلمون مَن المعذَّبُ ومن الكاذب ، وفيه تعريضٌ بكذبهم في ادعائهم القوةَ والقُدرةَ على رجمه عليه السلام وفي نسبته إلى الضعف والهوانِ وفي ادعائهم الإبقاءَ عليه جانبِ الرهطِ ، والاختلافُ بين المعطوفَين بالفعلية والاسميةِ لأن كذبَ الكاذبِ بمرتقَبٍ كإتيان العذاب بل إنما المرتقَبُ ظهورُ الكذبِ السابق المستمرّ . و( من ) إما استفهاميةٌ معلِّقةٌ للعلم عن العمل كأنه قيل : سوف تعلمون أيُّنا يأتيه عذابٌ يُخزيه وأيُّنا كاذبٌ ، وإما موصولةٌ أي سوف تعرِفون الذي يأتيه عذابٌ والذي هو كاذب { وارتقبوا } وانتظروا مآلَ ما أقول . { إني مَعَكُمْ رَقِيبٌ } منتظرٌ ، فعيل بمعنى الراقب كالصريم ، أو المراقب كالشعير أو المرتقب كالرفيع وفي زيادة معكم إظهارٌ منه عليه السلام لكمال الوثوق بأمره .