معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ يَكۡتُبُونَ ٱلۡكِتَٰبَ بِأَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ لِيَشۡتَرُواْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا يَكۡسِبُونَ} (79)

قوله تعالى : { فويل } . قال الزجاج : ويل كلمة تقولها العرب لكل واقع في هلكة ، وقيل : هو دعاء الكفار على أنفسهم بالويل والثبور ، وقال ابن عباس : شدة العذاب ، وقال سعيد بن المسيب : ويل واد في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لانماعت من شدة حرها .

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنا أبو طاهر محمد بن أحمد ابن الحارث أنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن المبارك ، عن رشيد بن سعد ، عن عمرو بن الحارث ، أنه حدث عن أبي السمع ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره ، والصعود جبل من نار يتصعد فيه سبعين خريفاً ثم يهوي فهو كذلك " .

قوله تعالى : { للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً } . وذلك أن أحبار اليهود خافوا ذهاب مآكلهم وزوال رياستهم حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، فاحتالوا في تعويق اليهود عن الإيمان به فعمدوا إلى صفته في التوراة ، وكانت صفته فيها : حسن الوجه ، حسن الشعر ، أكحل العينين ، ربعة القامة ، فغيروها وكتبوا مكانها طوال أزرق سبط الشعر ، فإذا سألهم سفلتهم عن صفته قرؤوا ما كتبوه فيجدونه مخالفاً لصفته فيكذبونه .

قوله تعالى : { فويل لهم مما كتبت أيديهم } . يعني كتبوه بأنفسهم اختراعاً من تغيير نعته صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى : { وويل لهم مما يكسبون } . من المآكل ويقال : من المعاصي .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ يَكۡتُبُونَ ٱلۡكِتَٰبَ بِأَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ لِيَشۡتَرُواْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا يَكۡسِبُونَ} (79)

{ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ }

توعد تعالى المحرفين للكتاب ، الذين يقولون لتحريفهم وما يكتبون : { هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } وهذا فيه إظهار الباطل وكتم الحق ، وإنما فعلوا ذلك مع علمهم { لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } والدنيا كلها من أولها إلى آخرها ثمن قليل ، فجعلوا باطلهم شركا يصطادون به ما في أيدي الناس ، فظلموهم من وجهين : من جهة تلبيس دينهم عليهم ، ومن جهة أخذ أموالهم بغير حق ، بل بأبطل الباطل ، وذلك أعظم ممن يأخذها غصبا وسرقة ونحوهما ، ولهذا توعدهم بهذين الأمرين فقال : { فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ } أي : من التحريف والباطل { وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } من الأموال ، والويل : شدة العذاب والحسرة ، وفي ضمنها الوعيد الشديد .

قال شيخ الإسلام لما ذكر هذه الآيات من قوله : { أَفَتَطْمَعُونَ } إلى { يَكْسِبُونَ } فإن الله ذم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ، وهو متناول لمن حمل الكتاب والسنة ، على ما أصله من البدع الباطلة .

وذم الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني ، وهو متناول لمن ترك تدبر القرآن ولم يعلم إلا مجرد تلاوة حروفه ، ومتناول لمن كتب كتابا بيده مخالفا لكتاب الله ، لينال به دنيا وقال : إنه من عند الله ، مثل أن يقول : هذا هو الشرع والدين ، وهذا معنى الكتاب والسنة ، وهذا معقول السلف والأئمة ، وهذا هو أصول الدين ، الذي يجب اعتقاده على الأعيان والكفاية ، ومتناول لمن كتم ما عنده من الكتاب والسنة ، لئلا يحتج به مخالفه في الحق الذي يقوله .

وهذه الأمور كثيرة جدا في أهل الأهواء جملة ، كالرافضة ، وتفصيلا مثل كثير من المنتسبين إلى الفقهاء .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ يَكۡتُبُونَ ٱلۡكِتَٰبَ بِأَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ لِيَشۡتَرُواْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا يَكۡسِبُونَ} (79)

{ فويل } أي تحسر وهلك . ومن قال إنه واد أو جبل في جهنم فمعناه : أن فيها موضعا يتبوأ فيه من جعل له الويل ، ولعله سماه بذلك مجازا . وهو في الأصل مصدر لا فعل له وإنما ساغ الابتداء به نكرة لأنه دعاء . { للذين يكتبون الكتاب } يعني المحرفين ، ولعله أراد به ما كتبوه من التأويلات الزائغة . { بأيديهم } تأكيد كقولك : كتبته بيميني { ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا } كي يحصلوا به عرضا من أعراض الدنيا ، فإنه وإن جعل قليل بالنسبة إلى ما استوجبوه من العقاب الدائم . { فويل لهم مما كتبت أيديهم } يعني المحرف . { وويل لهم مما يكسبون } يريد به الرشى .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ يَكۡتُبُونَ ٱلۡكِتَٰبَ بِأَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ لِيَشۡتَرُواْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا يَكۡسِبُونَ} (79)

قوله عز وجل : ( {[848]} )

{ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } ( 79 )

{ الذين } في هذه الآية يراد بهم الأحبار والرؤساء ، قال الخليل : الويل شدة الشر ، وقال الأصمعي : الويل القبوح وهو مصدر لا فعل له ، ويجمع على ويلات ، والأحسن فيه إذا انفصل الرفع ، لأنه يقتضي الوقوع( {[849]} ) ، ويصح النصب على معنى الدعاء( {[850]} ) أي ألزمه الله ويلاً ، وويل وويح وويس وويب تتقارب في المعنى ، وقد فرق بينها قوم( {[851]} ) ، وروى سفيان وعطاء بن يسار( {[852]} ) أن الويل في هذه الآية : واد يجري بفناء جهنم من صديد أهل النار ، وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وادٍ في جهنم بين جبلين يهوي فيه الهاوي أربعين خريفاً( {[853]} ) ، وقال أبو عياض : إنه صهريج في جهنم ، وروى عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جبل من جبال النار( {[854]} ) . وحكى الزهراوي عن آخرين أنه باب من أبواب جهنم ، و { الذين يكتبون } : هم الأحبار الذين بدلوا التوراة .

وقوله تعالى : { بأيديهم } بيان لجرمهم وإثبات لمجاهرتهم الله ، وفرق بين من كتب وبين من أمر ، إذ المتولي للفعل أشد مواقعة ممن لم يتوله ، وإن كان رأياً له ، وقال ابن السراج : هو كناية عن أنه من تلقائهم دون أن ينزل عليهم( {[855]} ) ، وإن لم تكن حقيقة في كتب أيديهم ، والذي بدلوا هو صفة النبي صلى الله عليه وسلم ليستديموا رياستهم ومكاسبهم ، وقال ابن إسحاق : كانت صفته في التوراة أسمر ربعة ، فردوه آدم طويلاً ، وذكر السدي أنهم كانوا يكتبون كتباً يبدلون فيها صفة النبي صلى الله عليه وسلم ويبيعونها من الأعراب ويبثونها في أتباعهم ويقولون هي من عند الله ، وتناسق( {[856]} ) هذه الآية على التي قبلها يعطي أن هذا الكتب والتبديل إنما هو للأتباع الأميين الذين لا يعلمون إلا ما قرىء لهم .

والثمن قيل عرض الدنيا ، وقيل الرشا( {[857]} ) والمآكل التي كانت لهم ، ووصفه بالقلة إما لفنائه وإما لكونه حراماً ، وكرر الويل لتكرار الحالات التي استحقوه بها( {[858]} ) ، { يكسبون } معناه من المعاصي والخطايا ، وقيل من المال الذي تضمنه ذكر الثمن .


[848]:- لما بين سبحانه حال من يتمسكون بحبال الأماني والظنون، بين حال دعاة الضلال الذين يأكلون أموال الناس بالباطل أي بالزور والكذب، على وجه الدعاء عليهم بالويل.
[849]:- وقد تدخل الهاء على ويل فتصير ويلة وهي الفضيحة والبلية كما قال الشاعر: لأمك ويْلَةٌ وعليك أخرى فلا شاة تُنيل ولا بعير
[850]:- يريد أنه إذا لم يضف يصح رفعه على الابتداء لما فيه من معنى الدعاء، ونصبه على إضمار الفعل، وأما إذا أضيف فليس إلا النصب لأنه إذا رفع لا يكون له خير. ويقال في التعجب ويلمه كما قال علي رضي الله عنه: "ويْلُمه كيلا بغير ثمن لو أن له وعاء".
[851]:- إلا أنه لم يقرأ بذلك أحد.
[852]:- سفيان هو أبو عبد الله الثوري. وعطاء كان فقيها قاضيا- وكان والده مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
[853]:- رواه الإمام أحمد، والترمذي، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه.
[854]:- رواه ابن جرير الطبري.
[855]:- الذي دل على ذلك قوله تعالى: (يكتبون الكتاب)- فإسناد الكتابة إليهم مفيد لذلك. قوله تعالى: (بأيديهم) هو تأكيد بقصد التغليظ والتشنيع، وأيضا فمباشرة العمل باليد لا يقتضي الاختلاق، ثم إن الكتابة تكتسب كما تكتسب المعارف- وكان الكتاب في العرب من أهل الطائف اكتسبوها من أهل الحيرة، وأهل الحيرة من أهل الأنبار- وقيل للعرب: أميون لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة وقليلة- وفي الحديث: "إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب"- ومن الآيات المعجزة كونه صلى الله عليه وسلم أميا لأنه تتلو القرآن بالنظم الذي أنزل عليه من دون زيادة ولا نقصان، وقد كان الخطيب في العرب إذا ارتجل خطبة ثم أعادها زاد فيها أو نقص- فالأمية في النبي صلى الله عليه وسلم مُعْجِزَة، وفي غيره مَعْجَزَة.
[856]:- أي مجيئها على سنن ونظام ما قبلها يعطي- إلخ.
[857]:- الرشا بكسر الراء المشددة وبضمها جمع رشوة بالكسر والضم أيضا.
[858]:- يعني الكتابة بأيديهم، وكسب المال بالباطل، فالكتابة مقدمة، وكسب المال نتيجة.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ يَكۡتُبُونَ ٱلۡكِتَٰبَ بِأَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ لِيَشۡتَرُواْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا يَكۡسِبُونَ} (79)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله:"فوَيْلٌ"؛

فقال بعضهم: {فَوَيْلٌ لَهُمْ} يقول: فالعذاب عليهم.

وقال آخرون: الويل: ما يسيل من صديد في أصل جهنم... الويل: واد من صديد في جهنم...

وقال آخرون: الوَيْلُ جَبَلٌ فِي النّارِ...

فمعنى الآية على ما روي عمن ذكرت قوله في تأويل "وَيْلٌ": فالعذاب الذي هو شرب صديد أهل جهنم في أسفل الجحيم لليهود الذين يكتبون الباطل بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله.

{لِلّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتابَ بأيْدِيهِمْ ثُمّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنا قَلِيلاً}.

يعني بذلك: الذين حرّفوا كتاب الله من يهود بني إسرائيل وكتبوا كتابا على ما تأولوه من تأويلاتهم مخالفا لما أنزل الله على نبيه موسى صلى الله عليه وسلم، ثم باعوه من قوم لا علم لهم بها ولا بما في التوراة، جهال بما في كتب الله لطلب عرض من الدنيا خسيس، فقال الله لهم: {فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون}...

إن قال لنا قائل: ما وجه "فوَيْلٌ لِلّذِينَ يَكُتُبُونَ الكِتابَ بأيْدِيهِمْ"؟ وهل تكون الكتابة بغير اليد حتى احتاج المخاطبون بهذه المخاطبة إلى أن يخبروا عن هؤلاء القوم الذين قصّ الله قصتهم أنهم كانوا يكتبون الكتاب بأيديهم؟ قيل له: إن الكتاب من بني آدم وإن كان منهم باليد، فإنه قد يضاف الكتاب إلى غير كاتبه وغير المتولي رسم خطه، فيقال: كتب فلان إلى فلان بكذا، وإن كان المتولي كتابته بيده غير المضاف إليه الكتاب، إذا كان الكاتب كتبه بأمر المضاف إليه الكتاب. فأعلم ربنا بقوله: {فَوَيْلٌ لِلّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتابَ بأيْدِيهِمْ} عباده المؤمنين أن أحبار اليهود تلي كتابة الكذب والفرية على الله بأيديهم على علم منهم وعمد للكذب على الله، ثم تنحله إلى أنه من عند الله وفي كتاب الله تكذّبا على الله وافتراء عليه. فنفى جل ثناؤه بقوله: {يَكْتُبُونَ الكِتابَ بأيْدِيهِمْ} أن يكون ولي كتابة ذلك بعض جهالهم بأمر علمائهم وأحبارهم. وذلك نظير قول القائل: باعني فلان عينه كذا وكذا، فاشترى فلان نفسه كذا، يراد بإدخال النفس والعين في ذلك نفي اللبس عن سامعه أن يكون المتولي بيع ذلك وشراءه غير الموصوف به بأمره، ويوجب حقيقة الفعل للمخبر عنه فكذلك قوله: {فَوَيْلٌ لِلّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتابَ بأيْدِيهِمْ}.

{فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا كَتَبَتْ أيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا يَكْسِبُونَ}:

{فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ} أي فالعذاب في الوادي السائل من صديد أهل النار في أسفل جهنم لهم، يعني للذين يكتبون الكتاب الذي وصفنا أمره من يهود بني إسرائيل محرّفا، ثم قالوا: هذا من عند الله ابتغاء عرض من الدنيا به قليل ممن يبتاعه منهم.

"مِمّا كَتَبَتْ أيْدِيهِم": من الذي كتبت أيديهم من ذلك.

{وَوَيْلٌ لَهُمْ أيضا مِمّا يَكْسِبُونَ} يعني مما يعملون من الخطايا، ويجترحون من الآثام، ويكسبون من الحرام بكتابهم الذي يكتبونه بأيديهم، بخلاف ما أنزل الله، ثم يأكلون ثمنه وقد باعوه ممن باعوه منهم على أنه من كتاب الله... {وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا يَكْسِبُونَ} يعني من الخطيئة.

وأصل الكسب: العمل، فكل عامل عملاً بمباشرة منه لما عمل ومعاناة باحتراف، فهو كاسب لما عمل.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قوله تعالى: {فويل للذين يكتبون بأيديهم} قيل: الويل: الشدة، وقيل: الويل: هو قول كل مكروب وملهوف يقول: ويل له بكذا.

{يكتبون الكتاب بأيديهم} يحتمل وجهين:

يحتمل (يكتبون) يمحون بعثه وصفته عن التوراة،

ويحتمل (يكتبون) يحدثون كتابة على غير بعثه وصفته.

{ثم يقولون هذا من عند الله} فتكون الكتابة في هذا إثباتا كقوله: {كتب في قلوبهم الإيمان} [المجادلة: 22]. والمثبت هو ذلك الملحق ليظن أنه كذلك في الأصل.

{فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون} ذكر لهم ثلاث ويلات:

أحدها: ويل بإحداث كتابة ببعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحوه وتغييره.

والثاني: بقولهم: {هذا من عند الله}

والثالث: {وويل لهم مما يكسبون} من المأكلة والهدايا.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

الويل: كلمة يستعملها كل واقع في هلكة. وأصله في اللغة: العذاب والهلاك...

وأصل الكسب: العمل الذي يجتلب به نفع أو يدفع به ضرر، وكل عامل عملا بمباشرة منه لما عمل. ومعناه هاهنا الاحتراف فهو كاسب لما عمل. وقيل الكسب عبارة عن كل عمل بجارحة يجتلب به نفع، أو يدفع به مضرة، ومنه قيل للجوارح من الطير: كواسب.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{الذين} في هذه الآية يراد بهم الأحبار والرؤساء.

{بأيديهم} بيان لجرمهم وإثبات لمجاهرتهم الله، وفرق بين من كتب وبين من أمر، إذ المتولي للفعل أشد مواقعة ممن لم يتوله، وإن كان رأياً له، وقال ابن السراج: هو كناية عن أنه من تلقائهم دون أن ينزل عليهم، وإن لم تكن حقيقة في كتب أيديهم، والذي بدلوا هو صفة النبي صلى الله عليه وسلم ليستديموا رياستهم ومكاسبهم.

وتناسق هذه الآية على التي قبلها يعطي أن هذا الكتب والتبديل إنما هو للأتباع الأميين الذين لا يعلمون إلا ما قرئ لهم.

والثمن قيل عرض الدنيا، وقيل الرشا والمآكل التي كانت لهم.

ووصفه بالقلة إما لفنائه وإما لكونه حراماً، وكرر الويل لتكرار الحالات التي استحقوه بها.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

قال القاضي: «ويل» يتضمن نهاية الوعيد والتهديد، فهذا القدر لا شبهة فيه سواء [أكان] الويل عبارة عن واد في جهنم [أم] عن العذاب العظيم.

{يكتبون الكتاب بأيديهم}... فيه وجهان.

الأول: أن الرجل قد يقول كتبت إذا أمر بذلك ففائدة قوله: {بأيديهم} أنه لم يقع منهم إلا على هذا الوجه.

الثاني: أنه تأكيد وهذا الموضع مما يحسن فيه التأكيد.

{ثم يقولون هذا من عند الله}...المراد أن من يكتب هذه الكتابة ويكسب هذا الكسب في غاية الرداءة لأنهم ضلوا عن الدين وأضلوا وباعوا آخرتهم بدنياهم، فذنبهم أعظم من ذنب غيرهم، فإن المعلوم أن الكذب على الغير بما يضر يعظم إثمه، فكيف بمن يكذب على الله ويضم إلى الكذب الإضلال، ويضم إليهما حب الدنيا والاحتيال في تحصيلها، ويضم إليها أنه مهد طريقا في الإضلال باقيا على وجه الدهر، فلذلك عظم تعالى ما فعلوه.

فإن قيل: إنه تعالى حكى عنهم أمرين. أحدهما: كتبة الكتاب والآخر: إسناده إلى الله تعالى على سبيل الكذب، فهذا الوعيد مرتب على الكتبة أو على إسناده المكتوب إلى الله أو عليهما معا؟ قلنا: لا شك أن كتبة الأشياء الباطلة لقصد الإضلال من المنكرات والكذب على الله تعالى أيضا كذلك والجمع بينهما منكر عظيم جدا.

{ليشتروا به ثمنا قليلا}... تنبيه على أمرين.

الأول:...نهاية شقاوتهم، لأن العاقل يجب أن لا يرضى بالوزر القليل في الآخرة لأجل الأجر العظيم في الدنيا، فكيف يليق به أن يرضى بالعقاب العظيم في الآخرة لأجل النفع الحقير في الدنيا.

الثاني: أنه يدل على أنهم ما فعلوا ذلك التحريف ديانة، بل إنما فعلوه طلبا للمال والجاه، وهذا يدل على أن أخذ المال على الباطل وإن كان بالتراضي فهو محرم، لأن الذي كانوا يعطونه من المال كان على محبة ورضا، ومع ذلك فقد نبه تعالى على تحريمه. واختلفوا في قوله تعالى: {مما يكسبون} هل المراد ما كانوا يأخذون على هذه الكتابة والتحريف فقط أو المراد بذلك سائر معاصيهم، والأقرب في نظام الكلام أنه راجع إلى المذكور من المال المأخوذ على هذا الوجه وإن كان الأقرب من حيث العموم أنه يشمل الكل، لكن الذي يرجح الأول أنه متى لم يقيد كسبهم بهذا القيد، لم يحسن الوعيد عليه، لأن الكسب يدخل فيه الحلال والحرام، فلا بد من تقييده وأولى ما يقيد به ما تقدم ذكره.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

وقد جمعوا في هذا الفعل أنهم ضلوا وأضلوا وكذبوا على الله، وضموا إلى ذلك حب الدنيا.

والويل: معناه الفضيحة والحسرة،وأكثر استعمال الأيادي في النعم، ولو صح في تفسير الويل شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لوجب المصير إليه. وقد تكلمت العرب في نظمها ونثرها بلفظة الويل قبل أن يجيء القرآن، ولم تطلقه على شيء من هذه التفاسير، وإنما مدلوله ما فسره أهل اللغة

[و] ذكر الأيدي كناية عن أنهم اختلقوا ذلك من تلقائهم، ومن عند أنفسهم، من غير أن ينزل عليهم. ولا يدل على ما ذكر، لأن مباشرة الشيء باليد لا تقتضي الاختلاق، ولا بد من تقدير حال محذوفة يدل عليها ما بعدها، التقدير: يكتبون الكتاب بأيديهم محرّفاً، أو نحوه مما يدل على هذا المعنى لقوله بعد ثم: {يقولون هذا من عند الله}، إذ لا إنكار على من يباشر الكتاب بيده إلا إذا وضعه غير موضعه، فلذلك قدرنا هذه الحال. {ثم يقولون}: أي لأتباعهم الأميين الذين لا يعلمون إلا ما قرئ لهم

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

قال الحسن بن أبي الحسن البصري: الثمن القليل: الدنيا بحذافيرها.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

الويل: جماع الشر كله -قاله الحرالي.

وفي هذه الآية بيان لما شرف به كتابنا من أنه لإعجازه لا يقدر أحد أن يأتي من عنده بما يدسه فيه فيلبس به- فللّه المنّة علينا والفضل.

فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :

وكرر الويل؛ تغليظاً عليهم، وتعظيماً لفعلهم، وهتكاً لأستارهم.

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

قال بعض العلماء: ما انفك كتاب منزل من السماء من تضمن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ولكن بإشارة لا يعرفها إلا العالمون، ولو كان متجلياً للعوام لما عوتب علماؤهم في كتمانه، ثم ازداد ذلك غموضاً بنقله من لسان إلى لسان، وقد وجد في التوراة ألفاظ إذا اعتبرتها وجدتها دالة على صحة نبوته عليه الصلاة والسلام بتعريض هو عند الراسخين جلي، وعند العامة خفي، فعمد إلى ذلك أحبار من اليهود فأوّلوه، وكتبوا تأويلاتهم المحرفة بأيديهم. {لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً} أي ليحصلوا بما أشاروا إليه غرضاً من أغراض الدنيا الدنيئة، وهو وإن جل أقل قليل بالنسبة إلى ما استوجبوه من العذاب الدائم، وحرموه من الثواب المقيم.

محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :

قال الراغب: إن قيل: لم ذكر {يكسبون} بلفظ المستقبل و {كتبت} بلفظ الماضي؟ قيل: تنبيها على ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة) فنبه بالآية أن ما أصّلوه وأثبتوه من التأويلات الفاسدة، التي يعتمدها الجهلة، هو اكتساب وزر يكتسبونه حالا فحالا.

[فإن قيل] لم ذكر الكتابة دون القول؟ أجبنا: لمّا كانت الكتابة متضمنة للقول وزائدة عليه، إذ هو كذب باللسان واليد، صار أبلغ، لأن كلام اليد يبقى رسمه والقول يضمحل أثره.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

قال المفسر [الجلال] إنهم كانوا يكتبون الأحكام على خلاف ما هي عليه في الكتاب كآية الرجم ووصف النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الأستاذ الإمام لو كان هذا هو المراد من هذه الآية لما بدئ الكلام بالفاء وإنما الآية وعيد على أن لبسوا على الناس بالكتابة وتأليف الكتب الدينية وإيهام العامة أن كل ما كتبوه فيها مأخوذ من كتاب الله كما يعتقد المقلدون من كل ملة بكتب الدين التي يؤلفها علماؤهم في الأصول والفروع، حتى إن بعضهم يقول إن اختلافها لا ينافي كونها من عند الله خلافا لقوله تعالى {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}. فهذه الكتب هي مثار الأماني والغرور، ولذلك أنذر على أصحابها الهلاك بعد ما ذكر أصناف اليهود من منافقين ومحرفين وأميين فقال {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله}

أقول: أي ويل وهلاك عظيم لأولئك العلماء الذي يكتبون الكتب بأيديهم ويودعونها آراءهم ويحملون الناس على التعبد بها قائلين: إن ما فيها من عند الله، ويمكن الاستغناء بها عن كتاب الله الذي نفهم منه مالا يفهم غيرنا: يخطبون بتلك الكتب ميل العامة وودهم، ويبتغون الجاه عندهم ويأكلون أموالهم بالدين. ولذلك قال {ليشتروا به ثمنا قليلا} وكل ما يباع به الحق ويترك لأجله فهو قليل لأن الحق أثمن الأشياء وأغلاها، وأرفعها وأعلاها، ولذلك كرر الوعيد فقال {فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون} فالهلاك والويل محيط بهم من أقطارهم ونازل بهم من جانب الوسيلة ومن جانب المقصد...

قال الأستاذ الإمام: من شاء أن يرى نسخة مما كان عليه أولئك اليهود، فلينظر فيما بين يديه فإنه يراها واضحة جلية. يرى كتبا ألفت في عقائد الدين وأحكامه حرفوا فيها مقاصد وحولوها إلى ما يغر الناس ويمنيهم ويفسد عليهم دينهم، ويقولون هي من عند الله وما هي من عند الله. وإنما هي صادة عن النظر في كتاب الله والاهتداء به.

ولا يعمل هذا إلا أحد رجلين:

رجل مارق من الدين يتعمد إفساده ويتوخى إضلال أهله، فيلبس لباس الدين ويظهر بمظهر أهل الصلاح ويخادع بذلك الناس ليقبلوا ما يكتب ويقول.

ورجل يتحرى التأويل ويستنبط الحيل ليسهل على الناس مخالفة الشريعة ابتغاء المال والجاه. ثم ذكر الأستاذ وقائع طابق فيها بين ما كان عليه اليهود من قبل وما عليه المسلمون الآن – ذكر وقائع للقضاة والمأذونين، وللعلماء والواعظين، فسقوا فيها عن أمر ربهم، فمنهم من يتأول ويغتر بأنه يقصد نفع أمته كما كان أحبار اليهود يفتون بأكل الربا أضعافا ليستغني شعب إسرائيل، ومنهم من يفعل ما يفعل عامدا عالما أنه مبطل ولكن تغره أماني الشفاعات والمكفرات...

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

قال شيخ الإسلام لما ذكر هذه الآيات من قوله: {أَفَتَطْمَعُونَ} إلى {يَكْسِبُونَ} فإن الله ذم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، وهو متناول لمن حمل الكتاب والسنة على ما أصله من البدع الباطلة. وذم الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني، وهو متناول لمن ترك تدبر القرآن ولم يعلم إلا مجرد تلاوة حروفه، ومتناول لمن كتب كتابا بيده مخالفا لكتاب الله، لينال به دنيا وقال: إنه من عند الله، مثل أن يقول: هذا هو الشرع والدين، وهذا معنى الكتاب والسنة، وهذا معقول السلف والأئمة، وهذا هو أصول الدين الذي يجب اعتقاده على الأعيان والكفاية. ومتناول لمن كتم ما عنده من الكتاب والسنة، لئلا يحتج به مخالفه في الحق الذي يقوله. وهذه الأمور كثيرة جدا في أهل الأهواء جملة، كالرافضة، وتفصيلا مثل كثير من المنتسبين إلى الفقهاء...

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

لا تكتفي [الآيات] بفضح ما يدعيه جمهورهم من العلم بالكتاب على ما هو عليه من جهل، حتى تصم النخبة منهم، بوصمة التزوير والتلفيق، لا في النصوص العادية المجردة، بل في أقدس النصوص، نصوص الوحي الإلهي والكتب المنزلة، تلاعبا منهم بالدين، ومتاجرة بالعقيدة...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

إن الله سبحانه وتعالى يريد هنا أن يبين لنا مدى تعمد هؤلاء للإثم.. فهم لا يكتفون مثلا بأن يقولوا لغيرهم اكتبوا... ولكن لاهتمامهم بتزييف كلام الله سبحانه وتزويره يقومون بذلك بأيديهم ليتأكدوا بأن الأمر قد تم كما يريدون تماما... فليست المسألة نزوة عابرة...ولكنها مع سبق الإصرار والترصد... وهم يريدون بذلك أن يشتروا ثمنا قليلا، هو المال أو ما يسمى بالسلطة الزمنية... يحكمون ويكون لهم نفوذ وسلطان.

ولقد كان أهل الكتاب في الماضي إذا اختلفوا في شيء... ذهبوا إلي الكهان والرهبان وغيرهم ليقضوا بينهم... لماذا؟ لأن الناس حين يختلفون يريدون أن يستتروا وراء ما يحفظ كبرياؤهم إن كانوا مخطئين...

ولكن رجال الدين اليهودي والمسيحي أخذوا يصدرون فتاوى متناقضة... كل منهم حسب مصلحته وهواه... ولذلك تضاربت الأحكام في القضايا المتشابهة...لأنه لم يعد الحكم بالعدل... بل أصبح الحكم خاضعا لأهواء ومصالح وقضايا البشر...

وحين يكتبون الكتاب بأيديهم ويقولون هذا من عند الله... إنما يريدون أن يخلعوا على المكتوب قداسة تجعل الإنسان يأخذه بلا مناقشة... وبذلك يكونون هم المشرعين باسم الله، ويكتبون ما يريدون ويسجلونه كتابة، وحين أحس أهل الكتاب بتضارب حكم الدين بما أضافه الرهبان والأحبار، بدأوا يطلبون تحرير الحكم من سلطة الكنيسة... لقد انتشرت هذه المسألة في كتابة صكوك الغفران التي كانت تباع في الكنائس لمن يدفع أكثر.

{وويل لهم مما يكسبون}... كلمة كسب تدل على عمل من أعمال جوارحك يجلب لك خيرا أو نفعا... وهناك كسب وهناك اكتسب. كسب تأتي بالشيء النافع، واكتسب تأتي بالشيء الضار... ولكن في هذه الآية الكريمة الحق سبحانه وتعالى قال: {وويل لهم مما يكسبون}... وفي آية ثانية قال: {بلى من كسب سيئة}. فلماذا تم هذا الاستخدام؟

نقول إن هذا ليس كسبا طبيعيا، إنما هو افتعال في الكسب... أي اكتساب... ولابد أن نفهم إنه بالنسبة لجوارح الإنسان... فإن هناك القول والفعل والعمل... بعض الناس يعتقد إن هناك القول والعمل... نقول لا... هناك قول هو عمل اللسان... وفعل هو عمل الجوارح الأخرى غير اللسان... وعمل وهو أن يوافق القول الفعل... لذلك فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون "2 "كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون "3 "} (سورة الصف). إذن هناك قول وفعل وعمل... والإنسان إذا استخدم جوارحه استخداما سليما يفعل ما هو صالح له... فإذا انتقل [مما] [هو صالح إلى ما [هو] غير صالح [مما] يغضب الله فإن جوارحه لا تفعل ولكنها تفتعل... تتصادم ملكاتها بعضها مع بعض والإنسان وهو يفتح الخزانة ليأخذ من ماله يكون مطمئنا لا يخاف شيئا، والإنسان حين يفتح خزانة غيره يكون مضطربا وتصرفاته كلها افتعال... وكل من يكسب شيئا حراما افتعله... ولذلك يقال عنه اكتسب... إلا إذا تمرس وأصبح الحرام لا يهزه، أو ممن نقول عنهم معتادو الإجرام [ف] في هذه الحالة يفعل الشيء بلا افتعال لأنه اعتاد عليه... هؤلاء الذين وصلوا إلى الحد الذي يكتبون فيه بأيديهم ويقولون [هو] من عند الله... أصبح الإثم لا يهزهم، ولذلك توعدهم الله بالعذاب مرتين في آية واحدة...