فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ يَكۡتُبُونَ ٱلۡكِتَٰبَ بِأَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ لِيَشۡتَرُواْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا يَكۡسِبُونَ} (79)

والويل : الهلاك . وقال الفراء : الأصل في الويل : وي : أي حزن كما تقول وي لفلان : أي : حزن له ، فوصلته العرب باللام ، قال الخليل : ولم نسمع على بنائه إلا ويح ، وويس ، وويه ، وويك ، وويب ، وكله متقارب في المعنى ، وقد فرّق بينها قوم ، وهي : مصادر لم ينطق العرب بأفعالها ، وجاز الابتداء به ، وإن كان نكرة ؛ لأن فيه معنى الدعاء . والكتابة معروفة ، والمراد : أنهم يكتبون الكتاب المحرّف ، ولا يبينون ، ولا ينكرونه على فاعله . وقوله : { بِأَيْدِيهِمْ } تأكيد ؛ لأن الكتابة لا تكون إلا باليد ، فهو مثل قوله : { وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } [ الأنعام : 38 ] وقوله : { يَقُولُونَ بأفواههم } [ آل عمران : 167 ] وقال ابن السراج : هو : كناية عن أنه من تلقائهم . دون أن ينزل عليهم . وفيه أنه قد دلّ على أنه من تلقائهم قوله : { يَكْتُبُونَ الكتاب } فإسناد الكتابة إليهم يفيد ذلك . والاشتراء : الاستبدال ، وقد تقدّم الكلام عليه ، ووصفه بالقلة لكونه فانياً لا ثواب فيه ، أو لكونه حراماً لا تحلّ به البركة ، فهؤلاء الكتبة لم يكتفوا بالتحريف ، ولا بالكتابة لذلك المحرّف ، حتى نادوا في المحافل بأنه من عند الله ، لينالوا بهذه المعاصي المتكرّرة هذا الغرض النزير ، والعوض الحقير . وقوله : { ممَّا يَكْسِبُونَ } قيل من الرشا ونحوها . وقيل من المعاصي . وكرر الويل ؛ تغليظاً عليهم ، وتعظيماً لفعلهم ، وهتكاً لأستارهم .

/خ81