ويل : الويل مصدر لا فعل له من لفظه ، وما ذكر من قولهم .
وأل مصنوع ، ولم يجيء من هذه المادة التي فاؤها واو وعينها ياء إلا : ويل ، وويح ، وويس ، وويب ، ولا يثني ولا يجمع .
ويقال : ويله ، ويجمع على ويلات .
وإذا أضيف ويل ، فالأحسن فيه النصب ، قال تعالى : { ويلكم لا تفتروا على الله كذباً } وزعم بعض أنه إذا أضيف لا يجوز فيه إلا النصب ، وإذا أفردته اختير الرفع ، قال : { فويل للذين } ، ويجوز النصب ، قال :
فويلاً لتيم من سرابيلها الخضر***
والويل : معناه الفضيحة والحسرة ، وقال الخليل : الويل : شدة الشر ، وقال المفضل وابن عرفة : الويل : الحزن ، يقال : تويل الرجل : دعا بالويل ، وإنما يقال ذلك عند الحزن والمكروه .
وقال غيره : الويل : الهلكة ، وكل من وقع في هلكة دعا بالويل ، وقال الأصمعي : هي كلمة تفجع ، وقد يكون ترحماً ، ومنه :
الأيدي : جمع يد ، ويد مما حذف منه اللام ، ووزنه فعل ، وقد صرح بالأصل .
قالوا : يدي ، وقد أبدلوا من الياء الأولى همزة ، قالوا : قطع الله أديه ، وأبدلوا منها أيضاً جيماً ، قالوا : لا أفعل ذلك جد الدهر ، يريدون يد الدهر ، وهي حقيقة في الجارحة ، مجاز في غيرها .
وأما الأيادي فجمع الجمع ، وأكثر استعمال الأيادي في النعم ، والأصل : الأيدي ، استثقلنا الضمة على الياء فحذفت ، فسكنت الياء ، وقبلها ضمة ، فانقلبت واواً ، فصار الأيد .
وكما قيل في ميقن موقن ، ثم إنه لا يوجد في لسانهم واو ساكنة قبلها ضمة في اسم ، وإذا أدى القياس إلى ذلك ، قلبت تلك الواو ياء وتلك الضمة قبلها كسرة ، فصار الأيدي .
وقد تقدم الكلام على اليد عند الكلام على قوله : { لما بين يديها }
الكسب : أصله اجتلاب النفع ، وقد جاء في اجتلاب الضر ، ومنه : بلى من كسب سيئة ، والفعل منه يجيء متعدياً إلى واحد ، تقول : كسبت مالاً ، وإلى اثنين تقول : كسبت زيداً مالاً .
وقال ابن الأعرابي ؛ يقال : كسب هو نفسه وأكسب غيره ، وأنشد :
فأكسبني مالاً وأكسبته حمداً***
{ فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم } الآية .
قيل : نزلت في الذين غيروا صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبدّلوا نعته ، فجعلوه آدم سبطاً طويلاً ، وكان في كتابهم على الصفة التي هو بها ، فقالوا لأصحابهم وأتباعهم : انظروا إلى صفة هذا النبي الذي يبعث في آخر الزمان ، ليس يشبه نعت هذا ، وكانت الأحبار من اليهود يخافون أن يذهب مأكلتهم بإبقاء صفة النبي صلى الله عليه وسلم على حالها ، فلذلك غيروها .
وقيل : خاف ملوكهم على ملكهم ، إذا آمن الناس كلهم ، فجاءوا إلى أحبار اليهود فجعلوا لهم عليهم وضائع ومآكل ، وكشطوها من التوراة ، وكتبوا بأيديهم كتاباً ، وحللوا فيه ما اختاروا ، وحرموا ما اختاروا .
وقيل : نزلت في الذين لم يؤمنوا بنبي ، ولم يتبعوا كتاباً ، بل كتبوا بأيديهم كتاباً ، وحللوا فيه ما اختاروا ، وحرموا ما اختاروا ، وقالوا : هذا من عند الله .
وقال أبو مالك : نزلت في عبد الله بن سعد بن سرح ، كاتب النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يغيره فارتد .
وقد تقدم شرح ويل عند الكلام على المفردات ، وذكر عن عثمان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه جبل من نار جهنم ، وذكر أن أبا سعيد روى : أنه واد في جهنم بين جبلين ، يهوي فيه الهاوي ، وذكر أن سفيان وعطاء بن يسار رويا أنه واد يجري بفناء جهنم من صديد أهل النار .
وحكى الزهراوي وجماعة : أنه باب من أبواب جهنم .
وقيل ، عن سعيد بن جبير ، إنه واد في جهنم ، لو سجرت فيه جبال الدنيا لانماعت من حره ، ولو صح في تفسير الويل شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لوجب المصير إليه .
وقد تكلمت العرب في نظمها ونثرها بلفظة الويل قبل أن يجيء القرآن ، ولم تطلقه على شيء من هذه التفاسير ، وإنما مدلوله ما فسره أهل اللغة ، وهو نكرة فيها معنى الدعاء ، فلذلك جاز الابتداء بها ، إذ الدعاء أحد المسوّغات لجواز الابتداء بالنكرة ، وهي تقارب ثلاثين مسوّغاً ، وذكرناها في كتاب ( منهج المسالك ) من تأليفنا .
والكتابة معروفة ، ويقال أول من كتب بالقلم إدريس ، وقيل : آدم .
والكتاب هنا قيل : كتبوا أشياء اختلقوها ، وأحكاماً بدلوها من التوراة حتى استقر حكماً بينهم .
وقيل : كتبوا في التوراة ما يدل على خلاف صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبنوها في سفهائهم ، وفي العرب ، وأخفوا تلك النسخ التي كانت عندهم بغير تبديل ، وصار سفهاؤهم ، ومن يأتيهم من مشركي العرب ، إذا سألوهم عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقولون : ما هو هذا الموصوف عندنا في التوراة المبدلة المغيرة ، ويقرأُوها عليهم ويقولون لهم : هذه التوراة التي أنزلت من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً .
بأيديهم : تأكيد يرفع توهم المجاز ، لأن قولك : زيد يكتب ، ظاهره أنه يباشر الكتابة ، ويحتمل أن ينسب إليه على طريقة المجاز ، ويكون آمراً بذلك ، كما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب ، وإنما المعنى : أمر بالكتابة ، لأن الله تعالى قد أخبر أنه النبي الأمي ، وهو الذي لا يكتب ولا يقرأ في كتاب .
وقد قال تعالى : { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمنك إذاً لارتاب المبطلون } ونظير هذا التأكيد { يطير بجناحيه } ، { ويقولون بأفواههم } ، وقوله :
نظرت فلم تنظر بعينيك منظراً***
فهذه كلها أتى بها لتأكيد ما يقتضيه ظاهر اللفظ ، ولرفع المجاز الذي كان يحتمله .
وفي هذا التأكيد أيضاً تقبيح لفعلهم ، إذ لم يكتفوا بأن يأمروا بالاختلاق والتغيير ، حتى كانوا هم الذين تعاطوا ذلك بأنفسهم ، واجترحوه بأيديهم .
وقال ابن السرّاح : ذكر الأيدي كناية عن أنهم اختلقوا ذلك من تلقائهم ، ومن عند أنفسهم ، من غير أن ينزل عليهم .
ولا يدل على ما ذكر ، لأن مباشرة الشيء باليد لا تقتضي الاختلاق ، ولا بد من تقدير حال محذوفة يدل عليها ما بعدها ، التقدير : يكتبون الكتاب بأيديهم محرّفاً ، أو نحوه مما يدل على هذا المعنى لقوله بعد ثم : { يقولون هذا من عند الله } ، إذ لا إنكار على من يباشر الكتاب بيده إلا إذا وضعه غير موضعه ، فلذلك قدرنا هذه الحال .
{ ثم يقولون } : أي لأتباعهم الأميين الذين لا يعلمون إلا ما قرئ لهم ، ومعمول القول هذه الجملة التي هي : { هذا من عند الله ليشتروا } ، علة في القول ، وهي لام كي ، وقد تقدم الكلام عليها قبل .
وهي مكسورة لأنها حرف جر ، فيتعلق بيقولون .
وقد أبعد من ذهب إلى أنها متعلقة بالاستقرار ، وبنو العنبر يفتحون لام كي ، قال مكي في إعراب القرآن له .
{ به ثمناً قليلاً } ، به : متعلق بقوله : ليشتروا ، والضمير عائد على الذي أشاروا إليه بقولهم : { هذا من عند الله } ، وهو المكتوب المحرّف .
وتقدّم القول في الاشتراء في قوله : { اشتروا الضلالة بالهدى } والثمن هنا : هو عرض الدنيا ، أو الرّشا والمآكل التي كانت لهم ، ووصف بالقلة لكونه فانياً ، أو حراماً ، أو حقيراً ، أو لا يوازنه شيء ، لا ثمن ، ولا مثمن .
وقد جمعوا في هذا الفعل أنهم ضلوا وأضلوا وكذبوا على الله ، وضموا إلى ذلك حب الدنيا .
وهذا الوعيد مرتب على كتابة الكتاب المحرّف ، وعلى إسناده إلى الله تعالى .
وكلاهما منكر ، والجمع بينهما أنكر .
وهذا يدل على تحريم أخذ المال على الباطل ، وإن كان برضا المعطي .
{ فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل مما يكسبون } : كتابتهم مقدمة ، نتيجتها كسب المال الحرام ، فلذلك كرر الويل في كل واحد منهما ، لئلا يتوهم أن الوعيد هو على المجموع فقط .
فكل واحد من هذين متوعد عليه بالهلاك .
وظاهر الكسب هو ما أخذوه على تحريفهم الكتاب من الحرام ، وهو الأليق بمساق الآية .
وقيل : المراد بما يكسبون الأعمال السيئة ، فيحتاج في كلا القولين إلى اختصاص ، لأن ما يكسبون عام ، والأولى أن يقيد بما ذكرناه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.