الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ يَكۡتُبُونَ ٱلۡكِتَٰبَ بِأَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ لِيَشۡتَرُواْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا يَكۡسِبُونَ} (79)

قوله : ( فَوَيْلٌ )[ 78 ] .

قال سفيان( {[2661]} ) وأبو عياض( {[2662]} ) : " ويل ماء يسيل من صديد( {[2663]} ) في أسفل جهنم " ( {[2664]} ) .

وروى عثمان بن عفان( {[2665]} ) عن النبي [ عليه السلام أنه قال/ : الوَيْلُ( {[2666]} ) ] جَبَلٌ في النَّار " ( {[2667]} ) .

وروى عنه عليه السلام أبو سعيد الخدري( {[2668]} ) أنه قال : " ويلٌ وَاد في جهنَّمَ يَهْوي فِيهِ الكَافِرُ أرْبَعِينَ خَرِيفاً قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ قَعْرَهُ " ( {[2669]} ) .

ومعنى " ويل " عند أهل اللغة : قبوح . وويح ترحم ، وويس تصغير .

وهذه مصادر لا أفعال لها( {[2670]} ) . والاختيار( {[2671]} ) فيها الرفع على كل حال بالابتداء . ويجوز فيها( {[2672]} ) النصب على معنى : ألزمه الله ويلاً( {[2673]} ) . فإن كانت مضافة [ حسن فيها( {[2674]} ) ] النصب ، قال الله تعالى : ( وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُوا )( {[2675]} ) .

فأما ما كان من المصادر جارياً على الفعل ، فالاختيار/ فيه( {[2676]} ) الرفع إذا كان معرفة على الابتداء نحو : الحمد . ويجوز النصب على المصدر . فإن كان نكرة ، فالاختيار في النصب على المصدر ويجوز الرفع على الابتداء( {[2677]} ) ، أو على معنى ثبت ذلك له . فإن كان مضافاً لم يجز( {[2678]} ) إلا النصب كالأول .

قوله : ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ( {[2679]} ) بِأَيْدِيهِمْ )[ 78 ] .

هم اليهود الذين غيروا التوراة وبدلوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم فيها وصفته لئلا يؤمن به العوام ، وأخذوا على( {[2680]} ) ذلك الرشا . وقيل : هم قوم من اليهود كتبوا كتباً( {[2681]} ) من عند أنفسهم وقالوا : هذا( {[2682]} ) من عند الله ليعطوا عليها الأجر( {[2683]} ) .

وقال ابن عباس : " بل فعل ذلك قوم أميون لم يصدقوا رسولاً ، ولا آمنوا بكتاب فكتبوا بأيديهم للجهال( {[2684]} ) كتاباً ليشتروا به ثمناً قليلاً " ( {[2685]} ) .

قال ابن إسحاق : " كانت( {[2686]} ) صفة محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة أسمر ربعة( {[2687]} ) فبدلوا وكتبوا آدم طويلاً " ( {[2688]} ) .

/وقوله تعالى : ( بِأَيْدِيهِمْ )[ 78 ] .

تأكيد ليعلم أنهم( {[2689]} ) تولوا ذلك بأيديهم ولم يأمروا به غيرهم . ففي الإتيان بلفظ " الأيدي " ( {[2690]} ) زوال الاحتمال ، إذ لو قال : " يكتبون الكتاب " لجاز أن يأمروا بكتابته وأن يتولوا ذلك بأنفسهم لأن العرب تقول : " كَتَبْتُ إلى فلان " ، وإنما أمر من كتبه له " وكتب السلطانُ كتاباً إلى عامله " ولم يكتبه بيده ، وإنما أمر من كتبه له( {[2691]} ) .

ففي ذكر " الأيدي( {[2692]} ) رفع الاحتمال وبيان أنهم تولوا ذلك بأيديهم عن تعمد منهم( {[2693]} ) .

وقال ابن عباس : " هذا ، كما تقول : حملتُ إلى بلد كذا قمحاً ، وإنما أمرت من حمله " .

وقال تعالى في التابوت : ( تَحْمِلُهُ المَلاَئِكَةُ )( {[2694]} ) وإنما حمل بأمر الملائكة ، ولم تحمله الملائكة [ بأنفسها ولا ظهرت( {[2695]} ) ] للقوم( {[2696]} ) في ذلك الوقت . ومن هذا قوله تعالى : ( يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم )( {[2697]} ) . إنما أكد بذكر الأفواه لأن القول قد يترجم به عن الإشارة وعن الكتاب . تقول العرب : " قال الأمير كذا " للفظ سمعه من كتاب أمر بكتابته( {[2698]} ) الأمير . وقريب منه قوله تعالى( {[2699]} ) : ( فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِاليَمِينِ )( {[2700]} ) لأن اليمين تدل في كلام العرب على الشدة والقوة( {[2701]} ) والبطش ، فدل( {[2702]} ) بذكر اليمين على شدة الضرب . ولو لم يذكر اليمين لجاز أن يكون ضرباً شديداً أو غير شديد فذكر( {[2703]} ) اليمين يرفع الاحتمال ويدل على الشدة .

ومن( {[2704]} ) ذلك قوله تعالى : ( يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ )( {[2705]} ) ومنه : ( وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ التِي فِي الصُّدُورِ )( {[2706]} ) .


[2661]:- في ع3: سليمان.
[2662]:- هو عمرو بن الأسود العنسي أو الهمداني أبو عياض الدمشقي، أحد زهاد الشام. روى عن معاذ وأبي الدرداء، وروى عنه ابنه حكيم ومجاهد. انظر: طبقات ابن خياط 280، والخلاصة 2/280.
[2663]:- في ع3: صديده.
[2664]:- انظر: المحرر الوجيز 1/272. والقول لأبي عياض في جامع البيان 2/268، أسنده إليه سفيان.
[2665]:- في ع2، ق: عفان عليه السلام. وفي ع3: عفان رضي الله عنه.
[2666]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم أنه قال.
[2667]:- انظر: كنز العمال 2/358، وقد وصفه ابن كثير في تفسيره 10/117 بأنه غريب جداً. ورواه الحاكم في المستدرك 1/507، بلفظ "الصَّعُودُ جَبَلٌ في النَّارِ". وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي".
[2668]:- واسمه سعد بن مالك بن سنان بن عبيد، من علماء الصحابة. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه ابن المسيب والشعبي ونافع وغيرهم. (ت74هـ). طبقات ابن خياط 96، وتذكرة الحفاظ 44، والإصابة 2/35 (ط. بيروت) والخلاصة 1/371.
[2669]:- انظر: كنز العمال 2/12، ورواه الترمذي في سننه 5/320، وقال: "حسن غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث ابن لهيعة"، ورواه الحاكم في المستدرك 1/507، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي".
[2670]:- سقط من ع3.
[2671]:- في ع2: ولا اختيار. وهو تحريف.
[2672]:- في ع2: فيه.
[2673]:- انظر: إعراب القرآن 1/190، ومشكل الإعراب 1/101، واللسان 3/997.
[2674]:- في ع2: يحسن فيه.
[2675]:- طه آية 60.
[2676]:- في ع3: فيها.
[2677]:- في ع3: و.
[2678]:- في ع2: تجز. وهو خطأ.
[2679]:- سقط من ع3.
[2680]:- سقط من ع3.
[2681]:- سقط من ع3.
[2682]:- في ح: هذه.
[2683]:- وهو قول السدي. انظر: جامع البيان 2/270، وتفسير ابن كثير 1/117.
[2684]:- في ع2: لجهال.
[2685]:- انظر: جامع البيان 2/270.
[2686]:- في ع3: وكانت.
[2687]:- والربعة: هو الرجل الذي ليس بالطويل ولا بالقصير. اللسان 1/1112.
[2688]:- انظر: المحرر الوجيز 1/273، والقول للكلبي في أسباب النزول 34.
[2689]:- في ع2: تلو. وفي ع3: أنه. وكلاهما تحريف.
[2690]:- في ع2، ع3: الأيد.
[2691]:- قوله: "وكتب..من كتبه له" ساقط من ع3.
[2692]:- في ع3: الأيد.
[2693]:- انظر: هذا التوجيه في جامع البيان 2/272-273.
[2694]:- البقرة آية 246.
[2695]:- في ع3: بأنفسهم ولا ظهروا.
[2696]:- في ع3: لقوم.
[2697]:- آل عمران آية 167.
[2698]:- في ق: يكتبه.
[2699]:- سقط من ع3.
[2700]:- الصافات آية 93.
[2701]:- في ع3: القسوة.
[2702]:- في ع2: فكان. وهو تحريف.
[2703]:- في ع3: فبذكر.
[2704]:- في ع2: أو.
[2705]:- الأنعام آية 39.
[2706]:- الحج آية 44.