معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ} (190)

قوله تعالى : { وقاتلوا في سبيل الذين يقاتلونكم } . كان في ابتداء الإسلام ، أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالكف عن قتال المشركين ، ثم لما هاجر إلى المدينة أمره بقتال من قاتله منهم بهذه الآية ، وقال الربيع بن أنس : هذه أول آية نزلت في القتال ، ثم أمره بقتال المشركين كافة ، قاتلوا أو لم يقاتلوا بقوله ( فاقتلوا المشركين ) فصارت هذه الآية منسوخة بها ، وقيل : نسخ بقوله ( اقتلوا المشركين ) قريب من سبعين آية .

قوله تعالى : { ولا تعتدوا } . أي لا تبدؤوهم بالقتال وقيل : هذه الآية محكمة غير منسوخة ، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال المقاتلين ومعنى قوله : ( ولا تعتدوا ) أي لا تقتلوا النساء ، والصبيان والشيخ الكبير ، والرهبان ولا من ألقى إليكم السلام هذا قول ابن عباس ومجاهد .

أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو بكر بن سهل القهستاني المعروف بأبي تراب ، أخبرنا محمد بن عيسى الطوسي ، أنا يحيى بن بكير ، أنا الليث بن سعد عن جرير بن حازم عن شعبة عن علقمة ابن يزيد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشاً قال : اغزوا بسم الله ، وفي سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، لا تغلوا ولا تعتدوا ولا تقتلوا امرأة ، ولا وليداً ولا شيخاً كبيراً . وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : نزلت هذه الآية في صلح الحديبية ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج مع أصحابه للعمرة وكانوا ألفاً وأربعمائة ، فساروا حتى نزلوا الحديبية ، فصدهم المشركون عن البيت الحرام ، فصالحهم على أن يرجع عامه ذلك على أن يخلوا له مكة العام القابل ثلاثة أيام فيطوف بالبيت ، فلما كان العام القابل تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لعمرة القضاء ، وخافوا أن لا تفي قريش بما قالوا ، وأن يصدوهم عن البيت الحرام ، وكره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتالهم في الشهر الحرام ، وفي الحرم فأنزل الله تعالى ( وقاتلوا في سبيل الله ) يعني محرمين ( الذين يقاتلونكم ) يعني قريشاً ( ولا تعتدوا ) فتبدؤوا بالقتال في الحرم محرمين .

قوله تعالى : { إن الله لا يحب المعتدين } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ} (190)

{ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ }

هذه الآيات ، تتضمن الأمر بالقتال في سبيل الله ، وهذا كان بعد الهجرة إلى المدينة ، لما قوي المسلمون للقتال ، أمرهم الله به ، بعد ما كانوا مأمورين بكف أيديهم ، وفي تخصيص القتال { فِي سَبِيلِ اللَّهِ } حث على الإخلاص ، ونهي عن الاقتتال في الفتن بين المسلمين .

{ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } أي : الذين هم مستعدون لقتالكم وهم المكلفون ؛ الرجال غير الشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال .

والنهي عن الاعتداء ، يشمل أنواع الاعتداء كلها ، من قتل من لا يقاتل ، من النساء ، والمجانين والأطفال ، والرهبان ونحوهم والتمثيل بالقتلى ، وقتل الحيوانات ، وقطع الأشجار [ ونحوها ] ، لغير مصلحة تعود للمسلمين .

ومن الاعتداء ، مقاتلة من تقبل منهم الجزية إذا بذلوها ، فإن ذلك لا يجوز .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ} (190)

{ وقاتلوا في سبيل الله } جاهدوا لإعلاء كلمته وإعزاز دينه . { الذين يقاتلونكم } قيل : كان ذلك قبل أن أمروا بقتال المشركين كافة :المقاتلين منهم والمحاجزين . وقيل معناه الذين يناصبونكم القتال ويتوقع منهم ذلك دون غيرهم من المشايخ والصبيان والرهبان والنساء ، أو الكفرة كلهم فإنهم بصدد قتال المسلمين وعلى قصده . ويؤيد الأول ما روى : أن المشركين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية ، وصالحوه على أن يرجع من قابل فيخلوا له مكة -شرفها الله- ثلاثة أيام ، فرجع لعمرة القضاء وخاف المسلمون أن لا يوفوا لهم ويقاتلوهم في الحرم . أو الشهر الحرام وكرهوا ذلك فنزلت { ولا تعتدوا } بابتداء القتال ، أو بقتال المعاهد ، أو المفاجأة به من غير دعوة ، أو المثلة ، أو قتل من نهيتم عن قتله . { إن الله لا يحب المعتدين } لا يريد بهم الخير .