في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ} (190)

189

بعد ذلك يجيء بيان عن القتال بصفة عامة ، وعن القتال عند المسجد الحرام وفي الأشهر الحرم بصفة خاصة ، كما تجيء الدعوة إلى الإنفاق في سبيل الله ، وهي مرتبطة بالجهاد كل الارتباط :

( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ، إن الله لا يحب المعتدين ، واقتلوهم حيث ثقفتموهم ، وأخرجوهم من حيث أخرجوكم . والفتنة أشد من القتل . ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه ، فإن قاتلوكم فاقتلوهم ، كذلك جزاء الكافرين . فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم . وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ؛ فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين . الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص . فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ، واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين . وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ) . .

ورد في بعض الروايات أن هذه الآيات هي أول ما نزل في القتال . نزل قبلها الإذن من الله للمؤمنين الذين يقاتلهم الكفار بأنهم ظلموا . وأحس المؤمنون بأن هذا الإذن هو مقدمة لفرض الجهاد عليهم ، وللتمكين لهم في الأرض ، كما وعدهم الله في آيات سورة الحج : ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ، وإن الله على نصرهم لقدير . الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا : ربنا الله . ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا . ولينصرن الله من ينصره ، إن الله لقوي عزيز ، الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، ولله عاقبة الأمور ) . .

ومن ثم كانوا يعرفون لم أذن لهم بأنهم ظلموا ، وأعطيت لهم إشارة الانتصاف من هذا الظلم ، بعد أن كانوا مكفوفين عن دفعه وهم في مكة ، وقيل لهم : ( كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) . . وكان هذا الكف لحكمة قدرها الله . . نستطيع أن نحدس بعض أسبابها على سبيل التقدير البشري الذي لا يحصى ولا يستقصى .

وأول ما نراه من أسباب هذا الكف ، أنه كان يراد أولا تطويع نفوس المؤمنين من العرب للصبر امتثالا للأمر ، وخضوعا للقيادة ، وانتظارا للإذن . وقد كانوا في الجاهلية شديدي الحماسة ، يستجيبون لأول ناعق ، ولا يصبرون على الضيم . . وبناء الأمة المسلمة التي تنهض بالدور العظيم الذي نيطت به هذه الأمة يقتضي ضبط هذه الصفات النفسية ، وتطويعها لقيادة تقدر وتدبر ، وتطاع فيما تقدر وتدبر ، حتى لو كانت هذه الطاعة على حساب الأعصاب التي تعودت الاندفاع والحماسة والخفة للهيجاء عند أول داع . . ومن ثم استطاع رجال من طراز عمر بن الخطاب في حميته ، وحمزة بن عبد المطلب في فتوته ، وأمثالهما من أشداء المؤمنين الأوائل أن يصبروا للضيم يصيب الفئة المسلمة ؛ وأن يربطوا على أعصابهم في انتظار أمر رسول الله [ ص ] وأن يخضعوا لأمر القيادة العليا وهي تقول لهم : ( كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) . . ومن ثم وقع التوازن بين الاندفاع والتروي ، والحماسة والتدبر ، والحمية والطاعة . . في هذه النفوس التي كانت تعد لأمر عظيم . .

والأمر الثاني الذي يلوح لنا من وراء الكف عن القتال في مكة . . هو أن البيئة العربية ، كانت بيئة نخوة ونجدة . وقد كان صبر المسلمين على الأذى ، وفيهم من يملك رد الصاع صاعين ، مما يثير النخوة ويحرك القلوب نحو الإسلام ؛ وقد حدث بالفعل عندما أجمعت قريش على مقاطعة بني هاشم في شعب أبي طالب ، كي يتخلوا عن حماية الرسول [ ص ] أنه عندما اشتد الاضطهاد لبني هاشم ، ثارت نفوس نجدة ونخوة ، ومزقت الصحيفة التي تعاهدوا فيها على المقاطعة . وانتهى هذا الحصار تحت تأثير هذا الشعور الذي كانت القيادة الإسلامية في مكة تراعيه في خطة الكف عن المقاومة ، فيما يبدو لنا من خلال دراسة السيرة كحركة .

ومما يتعلق بهذا الجانب أن القيادة الإسلامية لم تشأ أن تثير حربا دموية داخل البيوت . فقد كان المسلمون حينذاك فروعا من البيوت . وكانت هذه البيوت هي التي تؤذي أبناءها وتفتنهم عن دينهم ؛ ولم تكن هناك سلطة موحدة هي التي تتولى الإيذاء العام . ولو أذن للمسلمين أن يدفعوا عن أنفسهم يومذاك ، لكان معنى هذا الإذن أن تقوم معركة في كل بيت ، وأن يقع دم في كل أسرة . . مما كان يجعل الإسلام - في نظر البيئة العربية - يبدو دعوة تفتت البيوت ، وتشعل النار فيها من داخلها . . فأما بعد الهجرة فقد انعزلت الجماعة المسلمة كوحدة مستقلة ، تواجه سلطة أخرى في مكة ، تجند الجيوش وتقود الحملات ضدها . . وهذا وضع متغير عما كان عليه الوضع الفردي في مكة ، بالنسبة لكل مسلم في داخل أسرته .

هذه بعض الأسباب التي تلوح للنظرة البشرية من وراء الحكمة في كف المسلمين في مكة عن دفع الفتنة والأذى . وقد يضاف إليها أن المسلمين إذ ذاك كانوا قلة ، وهم محصورون في مكة ، وقد يأتي القتل عليهم لو تعرضوا لقتال المشركين ، في صورة جماعة ذات قيادة حربية ظاهرة . فشاء الله أن يكثروا ، وأن يتحيزوا في قاعدة آمنة ، ثم أذن لهم بعد هذا في القتال . .

وعلى أية حال فقد سارت أحكام القتال بعد ذلك متدرجة وفق مقتضيات الحركة الإسلامية في الجزيرة [ ثم خارج الجزيرة ] . وهذه الآيات المبكرة في النزول قد تضمنت بعض الأحكام الموافقة لمقتضيات الموقف في بدء المناجزة بين المعسكرين الأساسيين . معسكر الإسلام ومعسكر الشرك . وهي في الوقت ذاته تمثل بعض الأحكام الثابتة في القتال بوجه عام ، ولم تعدل من ناحية المبدأ إلا تعديلا يسيرا في سورة براءة .

ولعله يحسن أن نقول كلمة مجملة عن الجهاد في الإسلام ، تصلح أساسا لتفسير آيات القتال هنا ، وفي المواضع القرآنية الأخرى ، قبل مواجهة النصوص القرآنية في هذا الموضع بصفة خاصة :

لقد جاءت هذه العقيدة في صورتها الأخيرة التي جاء بها الإسلام ؛ لتكون قاعدة للحياة البشرية في الأرض من بعدها ، ولتكون منهجا عاما للبشرية جميعها ؛ ولتقوم الأمة المسلمة بقيادة البشرية في طريق الله وفق هذا المنهج ، المنبثق من التصور الكامل الشامل لغاية الوجود كله ولغاية الوجود الإنساني ، كما أوضحهما القرآن الكريم ، المنزل من عند الله . قيادتها إلى هذا الخير الذي لا خير غيره في مناهج الجاهلية جميعا ، ورفعها إلى هذا المستوى الذي لا تبلغه إلا في ظل هذا المنهج ، وتمتيعها بهذه النعمة التي لا تعدلها نعمة ، والتي تفقد البشرية كل نجاح وكل فلاح حين تحرم منها ، ولا يعتدي عليها معتد بأكثر من حرمانها من هذا الخير ، والحيلولة بينها وبين ما أراده لها خالقها من الرفعة والنظافة والسعادة والكمال .

ومن ثم كان من حق البشرية أن تبلغ إليها الدعوة إلى هذا المنهج الإلهي الشامل ، وألا تقف عقبة أو سلطة في وجه التبليغ بأي حال من الأحوال .

ثم كان من حق البشرية كذلك أن يترك الناس بعد وصول الدعوة إليهم أحرارا في اعتناق هذا الدين ؛ لا تصدهم عن اعتناقه عقبة أو سلطة . فإذا أبى فريق منهم أن يعتنقه بعد البيان ، لم يكن له أن يصد الدعوة عن المضي في طريقها . وكان عليه أن يعطي من العهود ما يكفل لها الحرية والاطمئنان ؛ وما يضمن للجماعة المسلمة المضي في طريق التبليغ بلا عدوان . .

فإذا اعتنقها من هداهم الله إليها كان من حقهم ألا يفتنوا عنها بأي وسيلة من وسائل الفتنة . لا بالأذى ولا بالإغراء . ولا بإقامة أوضاع من شأنها صد الناس عن الهدى وتعويقهم عن الاستجابة . وكان من واجب الجماعة المسلمة أن تدفع عنهم بالقوة من يتعرض لهم بالأذى والفتنة . ضمانا لحرية العقيدة ، وكفالة لأمن الذين هداهم الله ، وإقرارا لمنهج الله في الحياة ، وحماية للبشرية من الحرمان من ذلك الخير العام .

وينشأ عن تلك الحقوق الثلاثة واجب آخر على الجماعة المسلمة ؛ وهو أن تحطم كل قوة تعترض طريق الدعوة وإبلاغها للناس في حرية ، أو تهدد حرية اعتناق العقيدة وتفتن الناس عنها . وأن تظل تجاهد حتى تصبح الفتنة للمؤمنين بالله غير ممكنة لقوة في الأرض ، ويكون الدين لله . . لا بمعنى إكراه الناس على الإيمان . ولكن بمعنى استعلاء دين الله في الأرض ، بحيث لا يخشى أن يدخل فيه من يريد الدخول ؛ ولا يخاف قوة في الأرض تصده عن دين الله أن يبلغه ، وأن يستجيب له ، وأن يبقى عليه . وبحيث لا يكون في الأرض وضع أو نظام يحجب نور الله وهداه عن أهله ويضلهم عن سبيل الله . بأية وسيلة وبأية أداة .

وفي حدود هذه المباديء العامة كان الجهاد في الإسلام .

وكان لهذه الأهداف العليا وحدها ، غير متلبسة بأي هدف آخر ، ولا بأي شارة أخرى .

إنه الجهاد للعقيدة . لحمايتها من الحصار ؛ وحمايتها من الفتنة ؛ وحماية منهجها وشريعتها في الحياة ؛ وإقرار رايتها في الأرض بحيث يرهبها من يهم بالاعتداء عليها قبل الاعتداء ؛ وبحيث يلجأ إليها كل راغب فيها لا يخشى قوة أخرى في الأرض تتعرض له أو تمنعه أو تفتنه .

وهذا هو الجهاد الوحيد الذي يأمر به الإسلام ، ويقره ويثيب عليه ؛ ويعتبر الذين يقتلون فيه شهداء ؛ والذين يحتملون أعباءه أولياء .

وهذه الآيات من سورة البقرة في هذا الدرس كانت تواجه وضع الجماعة المسلمة في المدينة مع مشركي قريش الذين أخرجوا المؤمنين من ديارهم ، وآذوهم في دينهم ، وفتنوهم في عقيدتهم ، وهي - مع هذا - تمثل قاعدة أحكام الجهاد في الإسلام :

وتبدأ الآيات بأمر المسلمين بقتال هؤلاء الذين قاتلوهم وما يزالون يقاتلونهم ، وبقتال من يقاتلهم في أي وقت وفي أي مكان ، ولكن دون اعتداء :

( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ، ولا تعتدوا ، إن الله لا يحب المعتدين )

وفي أول آية من آيات القتال نجد التحديد الحاسم لهدف القتال ، والراية التي تخاض تحتها المعركة في وضوح وجلاء :

( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ) . .

إنه القتال لله ، لا لأي هدف آخر من الأهداف التي عرفتها البشرية في حروبها الطويلة . القتال في سبيل الله . لا في سبيل الأمجاد والاستعلاء في الأرض ، ولا في سبيل المغانم والمكاسب ؛ ولا في سبيل الأسواق والخامات ؛ ولا في سبيل تسويد طبقة على طبقة أو جنس على جنس . . إنما هو القتال لتلك الأهداف المحددة التي من أجلها شرع الجهاد في الإسلام ، القتال لإعلاء كلمة الله في الأرض ، وإقرار منهجه في الحياة ، وحماية المؤمنين به أن يفتنوا عن دينهم ، أو أن يجرفهم الضلال والفساد ، وما عدا هذه فهي حرب غير مشروعة في حكم الإسلام ، وليس لمن يخوضها أجر عند الله ولا مقام .

ومع تحديد الهدف ، تحديد المدى :

( ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) . .

والعدوان يكون بتجاوز المحاربين المعتدين إلى غير المحاربين من الآمنين المسالمين الذين لا يشكلون خطرا على الدعوة الإسلامية ولا على الجماعة المسلمة ، كالنساء والأطفال والشيوخ والعباد المنقطعين للعبادة من أهل كل ملة ودين . . كما يكون بتجاوز آداب القتال التي شرعها الإسلام ، ووضع بها حدا للشناعات التي عرفتها حروب الجاهليات الغابرة والحاضرة على السواء . . تلك الشناعات التي ينفر منها حس الإسلام ، وتأباها تقوى الإسلام .

وهذه طائفة من أحاديث الرسول [ ص ] ووصايا أصحابه ، تكشف عن طبيعة هذه الآداب ، التي عرفتها البشرية أول مرة على يد الإسلام :

عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : " وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله [ ص ] فنهى رسول الله [ ص ] عن قتل النساء والصبيان " . . [ أخرجه مالك والشيخان وأبو داود والترمذي ] .

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله [ ص ] : " إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه " . . [ أخرجه الشيخان ] .

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : " بعثنا رسول الله [ ص ] فقال : " إن وجدتم فلانا وفلانا [ رجلين من قريش ] فأحرقوهما بالنار " . فلما أردنا الخروج قال : " كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا ، وإن النار لا يعذب بها إلا الله تعالى فإن وجدتموهما فاقتلوهما " . . [ أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي ] .

وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله [ ص ] : " أعف الناس قتلة أهل الإيمان " . . [ أخرجه أبو داود ] .

وعن عبد الله بن يزيد الأنصاري - رضي الله عنه - قال : " نهى رسول الله [ ص ] عن النهبى والمثلة " . . [ أخرجه البخاري ] .

وعن ابن يعلى قال : غزونا مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، فأتى بأربعة أعلاج من العدو ، فأمر بهم فقتلوا صبرا بالنبل . فبلغ ذلك أبا أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - فقال : سمعت رسول الله [ ص ] ينهى عن قتل الصبر . فوالذي نفسي بيده ، لو كانت دجاجة ما صبرتها . فبلغ ذلك عبد الرحمن ، فأعتق أربع رقاب . . [ أخرجه أبو داود ] .

وعن الحارث بن مسلم بن الحارث عن أبيه - رضي الله عنه - قال : بعثنا رسول الله [ ص ] في سرية ؛ فلما بلغنا المغار استحثثت فرسي فسبقت أصحابي ؛ فتلقاني أهل الحي بالرنين . فقلت لهم : قولوا : لا إله إلا الله تحرزوا . فقالوها . فلامني أصحابي ، وقالوا : حرمتنا الغنيمة ! فلما قدمنا على رسول الله [ ص ] أخبروه بالذي صنعت . فدعاني فحسن لي ما صنعت . ثم قال لي : " إن الله تعالىقد كتب لك بكل إنسان منهم كذا وكذا من الأجر " . . [ أخرجه أبو داود ]

وعن بريدة قال : كان رسول الله [ ص ] إذا أمر الأمير على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله تعالى ، وبمن معه من المسلمين خيرا . ثم قال له : " اغزوا باسم الله ، في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله . اغزوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا " . . [ أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي ] .

وروى مالك عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه قال في وصيته لجنده : " ستجدون قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله ، فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له ، ولا تقتلن امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما " . .

فهذه هي الحرب التي يخوضها الإسلام ؛ وهذه هي آدابه فيها ؛ وهذه هي أهدافه منها . . وهي تنبثق من ذلك التوجيه القرآني الجليل :

( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ، ولا تعتدوا ، إن الله لا يحب المعتدين ) . .

وقد كان المسلمون يعلمون أنهم لا ينصرون بعددهم - فعددهم قليل - ولا ينصرون بعدتهم وعتادهم - فما معهم منه أقل مما مع أعدائهم - إنما هم ينصرون بإيمانهم وطاعتهم وعون الله لهم . فإذا هم تخلوا عن توجيه الله لهم وتوجيه رسول الله [ ص ] فقد تخلوا عن سبب النصر الوحيد الذي يرتكنون إليه . ومن ثم كانت تلك الآداب مرعية حتى مع أعدائهم الذين فتنوهم ومثلوا ببعضهم أشنع التمثيل . . ولما فار الغضب برسول الله [ ص ] فأمر بحرق فلان وفلان [ رجلين من قريش ] عاد فنهى عن حرقهما ، لأنه لا يحرق بالنار إلا الله .