{ وقاتلوا في سبيل الله } الآية .
قال ابن عباس : نزلت لما صدّ المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية ، وصالحوه على أن يرجع من قابل فيحلوا له مكة ثلاثة أيام ، فرجع لعمرة القضاء ، وخاف المسلمون أن لا تفي لهم قريش ، ويصدوهم ، ويقاتلوهم في الحرم وفي الشهر الحرام ، وكرهوا ذلك ، فنزلت .
وأطلق لهم قتال الذين يقاتلونهم منهم في الحرم وفي الشهر الحرام ، ورفع عنهم الجناح في ذلك ، وبذكر هذا السبب ظهرت مناسبة هذه الآية لما قبلها ، لأن ما قبلها متضمن شيئاً من متعلقات الحج ، ويظهر أيضاً أن المناسب هو : أنه لما أمر تعالى بالتقوى ، وكان أشدّ أقسام التقوى وأشقها على النفس قتال أعداء الله ، فأمر به فقال تعالى : { وقاتلوا في سبيل الله } والظاهر أن المقاتلة في سبيل الله هي الجهاد في الكفار لإظهار دين الله وإعلاء كلمته ، وأكثر علماء التفسير على أنها أول آية نزلت في الأمر بالقتال ، أمر فيها بقتال من قاتل ، والكف عن من كف ، فهي ناسخة لآيات الموادعة .
وروي عن أبي بكر أن أول آية نزلت في القتال { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا } قال الراغب : أمر أولاً بالرفق والاقتصار على الوعظ والمجادلة الحسنة ، ثم أذن له في القتال ، ثم أمر بقتال من يأبى الحق بالحرب ، وذلك كان أمراً بعد أمر على حسب مقتضى السياسة . انتهى .
وقيل : إن هذه الآية منسوخة بالأمر بقتال المشركين ، وقيل : هي محكمة ، وفي ( ريّ الظمآن ) هي منسوخة بقوله : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنه } وضعف نسخها بقوله : { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام } لأنه من باب التخصيص لا من باب النسخ ، ونسخ : { ولا تقاتلوهم } بقوله : { وقاتلوهم } بأنه لا يجوز الابتداء بالقتال في الحرم ، وهذا الحكم لم ينسخ ، بل هو باق ، وبأنه يبعد أن يجمع بين آيات متوالية يكون كل واحدة منها ناسخة للأخرى ، وأبعد من ذهب إلى أن قوله : وقاتلوا ، ليس أمراً بقتال ، وإنما أراد بالمقاتلة المخاصمة والمجادلة والتشدّد في الدين ، وجعل ذلك قتالاً ، لأنه يؤول إلى القتال غالباً ، تسمية للشيء باسم ما يؤول إليه .
هذا القول خلاف الظاهر ، والعدول عن الظاهر لغير مانع لا يناسب : في سبيل الله ، السبيل هو الطريق ، واستعير لدين الله وشرائعه ، فإن المتبع ذلك يصل به إلى بغيته الدينية والدنيوية ، فشبه بالطريق الموصل الإنسان إلى ما يقصده ، وهذا من استعارة الإجرام للمعاني ، ويتعلق : في سبيل الله ، بقوله : وقاتلوا ، وهو ظرف مجازي ، لأنه لما وقع القتال بسببب نصرة الدين صار كأنه وقع فيه ، وهو على حذف مضاف ، التقدير : في نصرة دين الله ، ويحتمل أن يكون من باب التضمين كأنه قيل : وبالغوا بالقتال في نصرة سبيل الله ، فضمن : قاتلوا ، معنى المبالغة في القتال .
{ الذين يقاتلونكم } ظاهره : من يناجزكم القتال ابتداءً ، أو دفعاً عن الحق ، وقيل : من له أهلية القتال سوى من جنح للسلم فيخرج من هذا : النسوان ، والصبيان ، والرهبان .
وقيل : من له قدرة على القتال ، وتسمية من له الأهلية والقدرة مقاتلاً مجاز ، وأبعد منه مجازاً من ذهب إلى أن المعنى : الذين يخالفونكم ، فجعل المخالفة قتالاً ، لأنه يؤول إلى القتال ، فيكون أمراً بقتال من خالف ، سواء قاتل أم لم يقاتل ، وقدّم المجرور على المفعول الصريح لأنه الأهم ، وهو أن يكون القتال بسبب إظهار شريعة الإسلام ، ألا ترى الاقتصار عليه في نحو قوله :
{ وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم } { ولا تعتدوا } نهي عام في جميع مجاوزة كل حدّ ، حدّه الله تعالى ، فدخل فيه الاعتداء في القتال بما لا يجوز ، وقيل : المعنى : ولا تعتدوا في قتل النساء ، والصبيان ، والرهبان ، والأطفال ، ومن يجري مجراهم .
قاله ابن عباس ، وعمر بن عبد العزيز ، ومجاهد .
ورجحه جماعة من المفسرين : كالنحاس وغيره ، لأن المفاعلة غالباً لا تكون إلاَّ من اثنين ، والقتال لا يكون من هؤلاء .
ولأن النهي ورد في ذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء ، والصبيان ، وعن المثلة ، وفي وصاية أبي بكر ليزيد بن أبي سفيان النهي عن قتل هؤلاء ، والشيخ الفاني ، وعن تخريب العامر ، وذبح البقرة والشاة لغير مأكل ، وإفساد شجرة مثمرة بحرق أو غيره .
وقيل : ولا تعتدوا في قتال من بذل الجزية .
قاله ابن بحر ، وقيل : في ترك القتال ، وقيل : بالبداءة والمفاجأة قبل بلوغ الدعوة .
وقيل : بالمثلة ، وقيل : بابتدائهم في الحرم في الشهر الحرام ، وقيل : في القتال لغير وجه الله ، كالحمية وكسب الذكر .
هذا كالتعليل لما قبله كقوله : أكرم زيداً إن عمراً يكرمه .
وحقيقة المحبة : وهي ميل النفس إلى ما تؤثره مستحيلة في حق الله تعالى ، ولا واسطة بين المحبة والبغضاء بالنسبة إلى الله تعالى ، لأنهما مجازان عن إرادة ثوابه ، وإرادة عقابه ، أو عن متعلق الإرادة من الثواب والعقاب .
وذلك بخلاف محبة الانسان وبغضه ، فإن بينهما واسطة ، وهي عدمهما ، فلذلك لا يرد على نفي محبة الله تعالى أن يقال : لا يلزم من نفي المحبة وجود البغض ، بل ذلك لازم لما بيناه من عدم الواسطة بينهما في حقه تعالى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.