فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ} (190)

لا خلاف بين أهل العلم أن القتال كان ممنوعاً قبل الهجرة لقوله تعالى : { فاعف عَنْهُمْ واصفح } [ المائدة : 13 ] وقوله : { واهجرهم هَجْراً جَمِيلاً } [ المزمل : 10 ] وقوله : { لسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ } [ الغاشية : 22 ] وقوله : { ادفع بالتى هِىَ أَحْسَنُ } [ المؤمنون : 96 ] ونحو ذلك مما نزل بمكة ؛ فلما هاجر إلى المدينة أمره الله سبحانه بالقتال ، ونزلت هذه الآية ، وقيل : إن أوّل ما نزل قوله تعالى : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يقاتلون بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا } [ الحج : 39 ] فلما نزلت الآية كان صلى الله عليه وسلم يقاتل من قاتله ، ويكفّ عمن كفّ عنه حتى نزل قوله تعالى : { اقتلوا المشركين } [ التوبة : 5 ] وقوله تعالى : { وَقَاتِلُوا المشركين كَافَّةً } [ التوبة : 36 ] . وقال جماعة من السلف : إن المراد بقوله : { الذين يقاتلونكم } من عدا النساء ، والصبيان ، والرهبان ، ونحوهم ، وجعلوا هذه الآية محكمة غير منسوخة ، والمراد بالاعتداء عند أهل القول الأوّل هو : مقاتلة من يقاتل من الطوائف الكفرية . والمراد به على القول الثاني : مجاوزة قتل من يستحق القتل إلى قتل من لا يستحقه ممن تقدّم ذكره .

/خ193