فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ} (190)

{ وقاتلوا في سبيل الله } لا خلاف بين أهل العلم أن القتال كان ممنوعا قبل الهجرة لقوله { فاعف عنهم واصفح } وقوله { واهجرهم هجرا جميلا } وقوله { لست عليهم بمصيطر } وقوله { ادفع بالتي هي أحسن } ونحو ذلك مما نزل بمكة فلما هاجر إلى المدينة أمره الله سبحانه بالقتال ونزلت هذه الآية .

قال أبو العالية : إنها أول آية نزلت في القتال بالمدينة فلما نزلت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل من قاتله ويكف عمن كف عنه حتى نزلت سورة براءة ، وقيل أول ما نزل قوله تعالى { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا } حتى نزل قوله تعالى { اقتلوا المشركين } وقوله تعالى { وقاتلوا المشركين كافة } قيل إنه نسخ بها سبعون آية والمعنى قاتلوا في طاعة الله وطلب رضوانه .

عن أبي موسى الأشعري قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ) {[184]} .

{ الذين يقاتلونكم } قال جماعة من السلف المراد بهذا من عدا النساء والصبيان والشيوخ والزمنى والرهبان والمجانين والمكافيف ونحوهم ، وجعلوا هذه الآية محكمة غير منسوخة { ولا تعتدوا } المراد بالاعتداء عند أهل القول الأول هو مقاتلة من لم يقاتل من الطوائف الكفرية ، والمراد به على القول الثاني مجاوزة قتل من يستحق القتل إلى قتل من لا يستحقه ممن تقدم ذكره ، قال ابن عباس : أي لا تقتلوا النساء والصبيان والشيخ الكبير ، ولا من ألقى السلم وكف يده فإن فعلتم فقد اعتديتم ، وقال عمربن عبد العزيز : ان هذه الآية في النساء والذرية { إن الله لا يحب المعتدين } أي لا يريد بهم الخير .

عن بريدة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال { اغزوا بالله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا ولا تعتدوا } أخرجه مسلم{[185]} .


[184]:وفي رواية: (أن رجلا أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل ليذكر والرجل يقاتل ليرى مكانه فمن في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قاتل لتكون كلمة الله أعلى فهو في سبيل الله) وفي رواية من قاتل لتكون كلمة الله العليا في سبيل الله، مسلم / 1904
[185]:وقد اختلف العلماء هل هذه الآية منسوخة أم لا فعلى قولين: 1 – أنها منسوخة بقوله (واقتلوهم حيث ثقفتموهم) 2- أنها محكمة ... وأما الذين لم يعدوا أنفسهم للقتال كالرهبان والمجانين ... فلا تعتدوا عليهم وبه قال أبو جعفر وقال: وهذا القول أولى بالصواب.