غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ} (190)

190

التفسير : لما أمر في الآية المتقدمة بالتقوى ، أمر في هذه الآية بأشق أقسامها على النفس وهو المقاتلة في سبيل الله . عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عمن يقاتل في سبيل الله فقال : " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ولا يقاتل رياء ولا سمعة " { الذين يقاتلونكم } الذين يناجزونكم القتال دون المحاجزين أعني الذين هم بصدد القتال بالفعل دون التاركين . قيل : وعلى هذا يكون منسوخاً بقوله : { وقاتلوا المشركين كافة } [ التوبة : 36 ] ومنع بأن الأمر بقتال من يقاتل لا يدل على المنع من قتال من لا يقاتل . وكذا ما روي عن الربيع بن أنس : هي أول آية نزلت في القتال بالمدينة ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل من قاتل ويكف عمن كف . أو الذين يناصبونكم القتال دون من ليس من أهل المناصبة من الشيوخ والصبيان والرهبان والنساء ، أي : المستعدين للقتال سوى من جنح للسلم ، أو الكفرة كلهم لأنهم جميعاً مضادون للمسلمين قاصدون لمقاتلتهم مستحلون لها فهم في حكم المقاتلة قاتلوا أو لم يقاتلوا . وقيل في سبب نزول الآية إنه صلى الله عليه وسلم خرج مع أصحابه لإرادة الحج ، فلما نزل بالحديبية وهو موضع كثير الشجر والماء صدهم المشركون عن دخول البيت فأقام شهراً لا يقدر على ذلك ، فصالحوه على أن يرجع ذلك العام ويعود إليهم في العام القابل ويتركوا له مكة ثلاثة أيام حتى يطوف وينحر الهدى ويفعل ما يشاء ، فرضي صلى الله عليه وسلم بذلك وصالحهم عليه وعاد إلى المدينة . وتجهز في السنة القابلة ثم خاف أصحابه من قريش أن لا يفوا بالوعد ويصدوهم عن المسجد الحرام وأن يقاتلوهم . وكانوا كارهين لقتالهم في الشهر الحرام وفي الحرم . فأنزل الله هذه الآيات وبيّن له كيفية المقاتلة إن احتاجوا إليها فقال : { وقاتلوا في سبيل الله ولا تعتدوا } بابتداء القتال . وإنما كان ذلك في أول الأمر لقلة المسلمين ، ولكون الصلاح في استعمال الرفق واللين ، فلما قوي الإسلام وكثر الجمع وأقام من أقام منهم على الشرك بعد ظهور المعجزات وتكررها عليهم حصل اليأس من إسلامهم ، فأمروا بالقتال على الإطلاق . أو لا تعتدوا بقتال من نهيتم عن قتاله من غير المستعدين كالنساء والشيوخ والصبيان والذين بينكم وبينهم عهد ، أو بالمثلة ، أو المفاجأة من غير دعوة إلى الإسلام . وهذه المعاني الثلاثة بإزاء التفاسير الثلاثة في { الذين يقاتلونكم } .

{ إن الله لا يحب المعتدين } المتجاوزين عما شرع الله لهم .

/خ190